«خريف الإخوان» في الأردن
«أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض». هذا هو حال «الإخوان المسلمين» في الأردن الذين يسيرون بخطى حثيثة نحو مزيد من التشظّي. فتهاوي المشهد الداخلي لـ«إخوان المملكة» ليس متصلاً بعوامل داخلية فحسب، بل أيضاً بالنهاية السريعة لزمن «الانتعاش» الذي رافق وصول الجماعة الأم إلى الحكم في مصر، ما أدى إلى الضعف وضياع حلم المشاركة في جنة الحكم. الحكومة الأردنية المنسجمة مع التوجهات العربية تلعب، بصورة مباشرة وغير مباشرة ، على وتر الاستفادة من «اختلاف الآراء»، كما يحلو للجماعة تسميته، ومن قرارات الفصل المتتالية والجماعية، لتفتح باباً للمطرودين من حضن الإرشاد، يأوون إليه. صار إنكار الواقع صعباً على الجماعة «التي باتت ثلاث جماعات: الأقدم ترخيصاً برقابة همام سعيد، ومبادرة «زمزم» التي يتزعمها «المفصول» نبيل الكوفحي، وأخيراً الجماعة المرخصة قبل أيام، ويرأسها المراقب السابق لإخوان المملكة «المفصول أيضاً»، عبد المجيد الذنيبات.
أتقنت عمان استغلال الظروف الداخلية لجماعة «الإخوان المسلمين» بما ينسجم مع توجهات الإقليم العربي لشطب «الإخوان» من معادلة المنطقة السياسية، وهو ما يكاد يوصف بأنه «تدمير آخر قلاع العمل السياسي الأردني». من هنا تصبح الإشاعة عن تهديد «الإخوان» بإخلاء الساحة لعناصرهم من أجل الانضمام إلى تجربة تنظيم «داعش» حقيقة بمعنى الواقع والنتائج. فالانقلاب على رأس الجماعة وإفراغ الحياة العامة في المملكة من رقم سياسي معارض كبير، سيتدفعان الشباب الى التوجه نحو الأكثر تطرفاً، وربما توليد جماعات أخرى من دون إيقاع يضبطها في العمل السياسي، وهو ما دفع تركيا الى القيام بدور الأم، واستدعاء المراقب العام لـ«الإخوان» الأردنيين، همام سعيد، بصرف النظر ما اذا كان الاستدعاء للمساءلة عن الإخفاق الذي أدى إلى هذه الكارثة على الجماعة... أم للبحث عن حلول!
ويقرّ مراقبون بأنه إذا لم تحلّ «الإخوان» حالة «فرط العقد» التي تعانيها، فإن المتوقع تزايد الخلافات بما يودي الى «تقزيم الجماعة أو القضاء عليها». وبعد الإعلان عن توجه سعيد إلى تركيا، برفقة أربعة من القياديين في الجماعة، ظهر أمس، إثر استدعائه من «مكتب الإرشاد العالمي» الذي يتخذ من إسطنبول مقرّاً له، تعززت أصوات من انشقوا أخيراً بأن مطلبهم هو ترخيص «أردني» وقطع الصلة بالتنظيم الدولي، لأنهم يرون في مثل هذه الخطوات ما يؤكد تبعية الجماعة لدول أخرى في قراراتها، وتلقي أوامرها من الخارج.
في الوسط، يقف القيادي المفصول من الجماعة، نبيل الكوفحي (رئيس مبادرة زمزم) الذي يرى إن ذهاب سعيد إلى تركيا «لا يعني بالضرورة أن قرار إسلاميي الأردن ليس محلياً وأنهم يتلقون التوجيهات من الخارج»، مشيراً إلى أنه خلال تجربته داخل «الإخوان» كان «مكتب الإرشاد يوجه النصائح لنا من دون إجبارنا على شيء... أظن أن هدف استدعائه سيقتصر على نصائح تركية للعمل على رأب التصدع الحالي لا غير».
مع ذلك، يرى الكوفحي، الذي تحدث إلى «الأخبار»، أن النهج الذي يتبعه «الصقور» ممن يسيطرون على الجماعة سيقودهم إلى «الانتحار السياسي»، داعياً إلى إجراء انتخابات عاجلة لاختيار مراقب جديد للجماعة عوضاً عن سعيد، «لأن الشرعية مهمة حتى تمارس الجماعة مهماتها». كذلك رأى أن «تعنّت قيادة الجماعة ورفضها الاعتراف بتصويب الإجراءات القانونية والترخيص الجديد لن يكونا في مصلحتها»، ذاكراً أنهم (قبل تشكيلهم زمزم) أنشأوا حراكاً داخلياً ساخناً طالبوا فيه منذ عام ونصف بتسجيل الجماعة بصورة قانونية تتوافق مع الدستور الأردني... «لكن الرد كان إقصاءنا واستبعاد لغة الحوار».
وقبل أيام، قاد همام سعيد «بهرجة إعلامية» كبيرة حينما وجّه نداءً عاجلاً إلى القيادات الشبابية في الجماعة للتجمهر أمام مقرّهم في عمان تحت عنوان «حماية ممتلكات المركز»، وأمر بإخلائه من كل الملفات والأرشيف، بعدما سرت إشاعات بأن القادة المفصولين مؤخراً (ومنهم المراقب العام السابق) طالبوا القيادة الحالية بإخلاء المقر، مهدّدين بإحضار قوى عسكرية وأمنية، وهو ما نفته الحكومة جملة وتفصيلاً.
الكوفحي علق على هذه «الحفلة» بالقول إن الأطراف المفصولة من الجماعة لن تعتمد أسلوباً طُبّق عليها، بل ستلجأ إلى الصبر واستيعاب الآخرين. وأضاف: «اللغة العسكرية ليست أسلوب من فصل، ولن نوجه أي رسالة نصية أو شفوية بإخلاء المقر»، مجدداً الدعوة إلى من وصفهم بـ «القياديين غير المرخصين» لتصويب أوضاعهم فوراً والانضمام إلى الجماعة المرخصة التي انشقت عن الأصلية... «عليهم قبول الأمر الواقع وألا ينساقوا وراء المجهول».
وفيما تعذر التواصل مع جماعة «الإخوان» في ظل هذه الظروف، فإن التيار الذي يمثل من تقدم بطلب إلى الحكومة بالترخيص (راجع عدد أمس) يقول إنه يشكل الجزء الأكبر من الجماعة ويضم أكثر من نصف العدد الرئيسي. كذلك ينفي هؤلاء أن تكون الحكومة قدمت إليهم أي إغراءات من أجل الترخيص، أو أن تكون ساهمت في إشعال الخلافات بين الطرفين.
ووفق مصادر مطلعة، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن «التنظيم الجديد (المسمى «جمعية» الإخوان المسلمين) سيعلن تنصيب عبد المجيد الذنيبات مراقباً عاماً للجمعية التي حصلت على الترخيص.
أما الحكومة التي أكدت أكثر من مرة أنها لا تتدخل في هذه القضية، فقد اجتمع أمس رئيسها عبد الله النسور مع قيادت إخوانية، منهم همام سعيد (قبل سفره إلى تركيا)، للبحث في «ترميم الصدع حتى الرمق الأخير»، وفق تعبير أحد المصادر. وكان سعيد قال، في وقت سابق، إن «ترخيص الجماعة القانوني قائم ولا يحتاج إلى تصويب»، داعياً الحكومة إلى التراجع عن قرار الترخيص للمنشقين الذين حصلوا على موافقة من مجلس إدارة سجل الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية، قبل يومين، على طلب التصويب، بعدما قدموه لإعادة تسجيل الجماعة «كجمعية سياسية».
وهذه المجموعة الجديدة كانت تعرّف نفسها باسم «اللجنة التحضيرية لمؤتمر إصلاح جماعة الإخوان» التي يرأسها الذنيبات نفسه، وقد أصدرت بياناً رسمت فيه ما قالت إنها ملامح المرحلة المقبلة لما بعد استكمال إجراءات التسجيل.
وفي اللقاء، طمأن النسور الوفد الإخواني إلى أن كيان جماعتهم «قائم» ولا تغيير عليه رغم تسجيل جمعية جديدة باسم «الإخوان المسلمين»، ثم أضاف على ذلك بأن أي خلاف بين طرفي الأزمة سيكون «مكانه القضاء». لكن همام سعيد وجه مناشدة عبر قناة «اليرموك»، التابعة للتنظيم الإخواني، إلى الملك عبدالله الثاني، داعياً إياه إلى التدخل في حل «هذه الأزمة». ولفت المراقب العام إلى أن الجماعة لا تشعر بالقلق من أي إجراءات لاحقة، لكنها «تخشى ردود أفعال من سيقع عليهم الظلم». كذلك حذر من «أن النظام الأردني هو المتضرر الأول ممّا يجري مع الجماعة من إعادة الترخيص».
خلية أزمة لمعالجة آثار الانشقاق
وسط حالة من الشدّ والجذب بين أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» الجدد، والجماعة الأم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أخفقت قيادات بارزة في الجماعة في طلب التدخل الحكومي لحل الأزمة، لكن القيادات البارزة ذاتها، التي تعتبر من مؤسّسي الجماعة الأم، بصدد تبنّي مبادرة داخلية للإنقاذ.
وقال رئيس مجلس شورى «الإخوان»، نواف عبيدات (الصورة)، في تصريح صحافي، إن المجلس في حالة انعقاد دائم، وإن من المتوقع أن تحسم الجماعة خياراتها في حل الأزمة، ومن بينها التوافق على قيادة «توافقية» بدلاً من الحالية. ويعزو كثيرون الموقف الحكومي السلبي إلى حالة القطيعة والفتور بينهما منذ سنوات، على خلفية المواقف المتباينة من «الربيع العربي»، وذلك في وقت تنفذ فيه السلطات حكم السجن لسنة ونصف بحق نائب المراقب العام، زكي بني ارشيد، بتهمة الإساءة إلى دولة الإمارات. كذلك يتحدث «الإخوان» عن أن المدعي العام لمحكمة أمن الدولة أمر، أول من أمس، بتحويل 16 عنصراً من الإخوان على المحكمة، لاتهامهم بدعم حركة «حماس» أمنياً وعسكرياً.
المصدر: الأخبار