المقاولون مستنفرون: استغلال العمال السوريين «حق مكتسب»
تعتبر العمالة السورية حاجة لأصحاب الأعمال في لبنان، ولا سيما في قطاع البناء والمقاولات، حيث يعمل نحو 350 ألف عامل سوري، بحسب تقديرات نقابة المقاولين اللبنانيين. هؤلاء يخضعون لشروط قاسية في سوق العمل، وهم محرومون من الحد الأدنى للأجور ومن التأمينات الاجتماعية، وبالتالي يتم نفخ الأرباح عبر استغلالهم. لكن تدابير وإجراءات المديرية العامة للأمن العام استنفرت المقاولين. أعلنوا رفضهم تسوية أوضاع عمالهم، وفقاً لما تنص عليه القوانين، ولا سيما لجهة إصدار إجازات العمل وتأشيرات الإقامة وتسديد الرسوم الواجبة عليهم للدولة.
منذ صدور قرار المديرية العامة للأمن العام لتحديد شروط إقامة السوريين في لبنان في آخر يوم من عام 2014 (وتعديله في 3/2/2015)، بدأت المشاكل بالظهور عبر منع دخول اللاجئين إلا وفق استنسابية وزارة الشؤون الاجتماعية والأمن العام، في ظل عدم تحديد معايير إنسانية واضحة، وصولاً إلى تطبيق ما يشبه نظام الكفالة على العمال السوريين. آنذاك، تركز الحديث على المتأثرين المباشرين بهذه الإجراءات، أي السوريين أنفسهم، الى أن بدأت هذه الإجراءات تثير حفيظة أصحاب الأعمال في القطاعات الأكثر استغلالاً للسوريين.
قرار الأمن العام منع في خانته السابعة أي سوري لا يمكن تصنيف سبب زيارته ضمن الفئات التي حددها (سياحة، زيارة عمل، تسوق، مالك ومستأجر عقار، دراسة، سفر، علاج ومراجعة سفارات) من الدخول الى لبنان، إلا إذا كفله لبناني بموجب «تعهد بالمسؤولية»، ما يفرض على المؤسسات الاستحصال على إجازات عمل من وزارة العمل لجميع العاملين لديها، وإلا لن يكون بمقدورهم الانتقال عبر المعابر الشرعية من سوريا وإليها.
أبرز المشتكين من إجراءات الأمن العام هم المقاولون والمتعهدون الكبار، الذين عقدوا أمس اجتماعاً موسعاً مع وزير العمل سجعان قزي، تحت عنوان «ملتبس» هو «العمالة السورية في قطاع المقاولات وتأثير التدابير والإجراءات الجديدة على هذه اليد العاملة». إلا أن المداخلات أظهرت أن «الخطورة» بالنسبة لهؤلاء تكمن في أثر الإجراءات على تدفق العمالة «الرخيصة» وكلفة رسوم «الإقامة» التي لم تكن تُسدد، ما دفع بنقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء إلى لقاء وزير العمل مرتين خلال هذا الأسبوع، من أجل الوصول الى «تسوية عاجلة».
يقول عضو مجلس إدارة نقابة المقاولين، عبدو سكرية، إن قطاع البناء والبنى التحتية يضم نحو 350 ألف عامل سوري بـ»الحد الأدنى»، يتوزعون على 3400 شركة: 3000 منها تعمل في القطاع الخاص و400 تعمل في عقود القطاع العام. قيمة أعمال هذه الشركات تبلغ 10 مليارات دولار. يلفت رئيس مجلس إدارة النقابة فؤاد الخازن الى أن العمالة غير المتخصصة في الورش تتألف بالكامل من السوريين.
زاد اللجوء السوري من نشاط القطاع، أولاً من ناحية تدفّق المزيد من اليد العاملة (إحصاءات الأمم المتحدة تشير الى 100 ألف عامل إضافي). وثانياً، اتساع سوق العمل بسبب المشاريع التي تقوم بها المنظمات الدولية من بناء خزانات للمياه، بيوت، إمدادات… المنافسة حالياً قائمة بشكل قوي بين العمال السوريين أنفسهم. يلفت سكرية إلى أن أجرة العامل السوري يبلغ 20 دولاراً يومياً، وأجرة المعلم 30 دولار. نافياً أن يكون الأجر قد انخفض في موازاة تزايد عدد اللاجئين السوريين، وبالتالي العمال.
شكوى من تطبيق القانون
شكوى المقاولين والمتعهدين واضحة: هذه الإجراءات والتدابير تفرض عليهم تسديد كلفة مالية، لم يكونوا ملتزمين بتسديدها، وهم اليوم غير مستعدين لتسديدها. يعلن الخازن أنه يتفهم ضرورة اتخاذ تدابير استثنائية أمنية في ظل الظروف الراهنة، إلا أن هذه التدابير، برأيه، تنعكس سلباً على مشاريع القطاع من نواحٍ عدة، شرحتها النقابة في ورقة العمل التي عرضتها على قزي. وقد ركّز اجتماع أمس على الكلفة التي سيتكبّدها هؤلاء إذا ما شرّعوا عمل السوريين لديهم، وثانياً الوقت الذي يحتاجون إليه لإنجاز عدد هائل من معاملات الإقامة والعمل «ما يعني توقّف مشاريعهم»، بحسب زعمهم. يقول سكرية إن كلفة كل عامل سوري في لبنان تبلغ 2000 دولار سنوياً لإصدار إجازة العمل، الإقامة، الضمان، عقود كاتب العدل… وتقترح النقابة إعادة النظر بطبيعة وعدد المستندات المطلوبة واعتماد المستندات الإجمالية. أما اقتراحها الثاني، والذي أغضب قزي، فهو تفويض صلاحية بت طلبات الترخيص بالعمل وتوقيع بطاقات العمل إلى الدوائر الإقليمية التابعة لوزارة العمل عوض حصرها بوزير العمل، ما اعتبره قزي تطاولاً على صلاحياته.
ورأت النقابة أن الإجراءات المفروضة على صاحب العمل لتقديم طلب موافقة مسبقة «فردي واسمي» هي إجراءات غير قابلة للتطبيق من قبل المقاولين الكبار الذين يعمل لديهم ما بين 200 و500 عامل في المشروع الواحد، إذ يستدعي هذا تقديم طلب مستقل لكل عامل. وقد طرحت النقابة صدور قرار استثنائي مؤقت لاعتماد طلب إجمالي بعمال كل شركة خاص بالمقاولين.
يُدرك المقاولون أن النمط الذي كان يُتّبع قبل الإجراءات (أي عدم إنجاز إجازات عمل وإقامة) غير قانوني، وقد عبروا عن ذلك في نقاشاتهم مع الوزير، لكن حجّتهم للاستمرار في مخالفة القوانين «أن استيقاظ الدولة فجأة وفرض تسوية الأمور من دون آلية واضحة، هو أمر غير سليم»، يقول عضو مجلس إدارة النقابة مارون الحلو.
يشكو المقاولون من «تعهّد المسؤولية» المطلوب منهم أمام الأمن العام، يقولون إن ذلك يجعلهم «مسؤولين عن نشاطات العمال، وأي عمل يقومون به يمكن أن يسيء الى الآخرين». لهذا السبب، يقف المقاولون ضد نظام الكفالة الذي تفرضه هذه الإجراءات، فهو، برأيهم، ظالم لهم، لا للعمال. تكفي الإشارة الى أن رئيس النقابة نفسه أعلن أنه منع 6 عمال سوريين لديه من امتلاك هواتف بناءً على «دردشة» مع الأمن العام، إذ إن امتلاك هاتف يمكن أن يؤدي الى انخراطهم في أعمال تخريبية! اعترض وزير العمل على ذلك، لأنه ينطوي على مسّ بالحريات الشخصية، إلا أنه لم يلق اللوم على «بدعة» الكفيل التي يفرضها الأمن العام، والتي تسمح لأصحاب العمل بالتحكم بحياة العاملين لديهم، بحجج مختلفة تصل الى «الحفاظ على الأمن».
قزي يواجه المقاولين
أصغى وزير العمل جيداً إلى «نق» المقاولين، وحدد مطلبهم بشكل دقيق: «الاستفادة من العمالة السورية بأقل قدر من الإجراءات الإدارية، وبأقل ثمن، وبأسرع وقت». لكنه أضاف مباشرةً «من يُنجز مشروعاً بملايين الدولارات، لن يؤثر عليه دفع جزء قليل من أرباحه لتسوية أوضاع عماله». يردّ عليه أحد المقاولين بأن كل مشروع يضم أكثر من 300 عامل، ليجيب قزي ضاحكاً «هذا يعني أن المشروع يربح الملايين». يتدخل الخازن «مهوّلاً» أن «قسماً كبيراً من المشاريع تابع للدولة، وأعتقد أن الدولة ليس لديها مصلحة في إيقاف مشاريعها». تزداد حدة النقاش بين الوزير والمقاولين عندما يعترض أحدهم على أن لديه مشروعين يحتاج كل منهما الى 600 عامل. وحين باشر بإنجاز المعاملات تم إيقافها. يرد الوزير متهماً إياه بأنه «عندما يكون لديك 1000 عامل وترسل أوراق 17 عاملاً فقط، من الطبيعي أن تتوقف المعاملات». ويصرّ قزي على أنه لن يتّخذ أي خطوة غير قانونية في هذا الإطار، مثل السماح بتسجيل عدد من العمال والتغاضي عن جزء آخر، «من دون غطاء وزاري»، وعليه اقترح طرح الموضوع على اللجنة الوزارية المختصة بأزمة اللجوء، ومن ثم عرضه على مجلس الوزراء.
في الحصيلة، خلص الاجتماع إلى 4 اقتراحات هي: إقامة دائرة مختصة في النقابة لإنجاز معاملات الإقامة والعمل لجميع الشركات، التدرّج بتنظيم أوضاع العمال بحيث يتم إنجاز معاملات كل شركة على مراحل وليس دفعة واحدة، عدم تضمين المعاملات كل تفاصيل العقود لتحديد عدد العمال، مقابل تقديم إفادة انتساب الى النقابة، وأخيراً تسريع إنجاز المعاملات في الوزارة.
المصدر: الأخبار