بوتين والغرب

استفاق الغرب على وقع خطوات روسيا - بوتين القادمة بقوة للعب دور المنافس الحقيقي على الساحة الدولية، من دون أن يكون مستعداً لذلك، فقد كان يعتقد أن عهد القطبين العالميين أو المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي) ولّى إلى غير رجعة، في حين كانت روسيا قد تمكنت من إعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية، وصولاً إلى إعادة صياغة عقيدتها العسكرية، لتؤكد أنها قطباً أساسياً في الساحة الدولية . وقد أظهرت المواجهات بين الجانبين ارتباكاً غربياً في معظم الأزمات الدولية، حتى الآن . ففي الشرق الأوسط، لا يزال الغرب عاجزاً عن حسم الملفات الأكثر سخونة، كالإرهاب والملف النووي الإيراني، بعد أن تراجعت التسوية ودخلت في "غيبوبة" أبدية هذه المرة، فيما تبدو الأمور أكثر تعقيداً في أوكرانيا لأن المعركة تدور في الساحة الأمامية للكرملين، وسط تصعيد واتهامات متبادلة بمحاولات إعادة رسم حدود أوروبا مجدداً .

يعتقد بوتين أنه فعل كل ما ينبغي ليجعل الغرب يعي جدية موسكو، وهو يدرك بالطبع أنه يمارس سياسة حافة الهاوية، فيما يصرّ الغرب على إثبات حضوره القوي على أبواب الكرملين، استناداً إلى غطرسة القوة المعهودة، من من دون الوصول إلى حد الصدام المباشر مع موسكو . لكن مع ذلك، هناك ما يشير إلى جنوح غربي واضح نحو الحوار والتفاهم مع زعيم الكرملين . فالتصعيد الخطير والمتبادل جعل الغرب يدرك أن بوتين لن يتراجع، وأن العقوبات لن تثني موسكو عن مواقفها .
الإشارة الأولى جاءت عبر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي رأى أن على الولايات المتحدة أن تترك لروسيا إمكانية لإيجاد مكانة لها "بشكل دائم" في الساحة الدولية، حيث هي "مدعوة للعب دور أساسي" . وربما هذا ما عبر عنه العديد من القادة الأوروبيين بالقول، إن موسكو تبقى لاعباً من الصف الأول في عالم متعدد الأقطاب، ودفع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى الدعوة للتفكير في شكل الحوار الذي ينبغي اعتماده مع موسكو، ليتوج كل ذلك بمبادرة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، التي لا تزال موضع نقاش، لكنها اعتبرت بمثابة الفرصة الأخيرة لتسوية الأزمة سلمياً .
من الواضح، أن أوروبا أدركت أخيراً، أنها هي وليس الولايات المتحدة من يدفع الثمن في حال انفجار الوضع، وأن من السذاجة الاعتقاد بأن روسيا ستختفي بكل بساطة عن الساحة، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال الجوار والجغرافيا، واتضح أنها المتضرر الأكبر من العقوبات، إذ فاقت خسائرها 30 مليار دولار حتى الآن، بحسب مصادر أوروبية، فماذا يتبقى غير الحوار أو الانفجار؟

المصدر: الخليج