لماذا مجلس الأمن مجدداً؟
عوني صادق عوني صادق

لماذا مجلس الأمن مجدداً؟

في الأيام الأخيرة من العام الماضي، أعلن في مجلس الأمن عن فشل المشروع الفلسطيني العربي لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،1967 الذي تقدم به الأردن باسم المجموعة العربية، بسبب عدم حصوله على الأصوات التسعة التي تسمح بقبوله . وفي الخامس عشر من الشهر الجاري، قررت الجامعة العربية في اجتماع طارئ عقد لبحث الموضوع الفلسطيني، إعادة طرح المشروع نفسه مرة أخرى . والسؤال: لماذا العودة إلى مجلس الأمن، في وقت لم تتغير فيه الظروف، أو حيثيات فشل المشروع في المرة السابقة، على أي من المستويات، وأهمها المستوى الدولي؟

لقد كنت وما زلت مع المعترضين على المشروع جملة وتفصيلاً، لكني أرى أنه كان لطرحه في المرة السابقة حسنة وحيدة، هي أنه "كشف" للسلطة الفلسطينية موقف صديقها "الراعي" لما يسمى "عملية السلام والمفاوضات" . ذلك لأن الموقف الأمريكي، وإن كان مكشوفاً لمن يريد أن يرى الأمور قبل أن تستحوذ الولايات المتحدة على مجريات المنطقة، وبشكل رسمي بعد حرب يونيو/ حزيران ،1967 فإن السلطة الفلسطينية ظلت تراهن عليه، وربما لا تزال . ولقد تساءل البعض في حينه، عن إصرار السلطة على تقديم المشروع في المرة السابقة، حيث كان واضحاً للجميع أنه لن يقبل، لأنه لن يحصل على الأصوات المطلوبه التي تجعله مقبولاً، إلا أن مصدراً رسمياً واحداً، فلسطينياً أو عربياً، لم يعط الجواب الحقيقي عن هذا التساؤل . ومهما كان قصد السلطة الفلسطينية من تقديمه، فإن ما انتهى إليه يجعل من طرحه مرة ثانية أمراً بلا حسنات، وغير مفهوم .

وفي قرار الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ الأخير، ما يثير التساؤل مجدداً عن الهدف من تقديم المشروع من جديد . ففي بيانها الختامي، كلف المجتمعون "رئاسة القمة" و"لجنة مبادرة السلام العربية" وكلاً من موريتانيا والأردن ومصر والمغرب وفلسطين والأمين العام للجامعة، "لإجراء ما يلزم من اتصالات لحشد الدعم الدولي لإعادة طرح المشروع"، ويلاحظ، أولاً، أن كل "المكلفين" كانوا قد أجروا ما "يلزم" من الاتصالات قبل أقل من شهر لدعم المشروع، وكانت النتيجة فشلاً باهراً . ثانياً، يلاحظ أن كل "المكلفين" هم من "أصدقاء" أمريكا، بما فيهم الجامعة العربية بوصفها كياناً اعتبارياً . ويلاحظ، ثالثا، أنه لم يتغير شيء سواء من حيث مواقف هؤلاء "المكلفين"، أو من حيث قدراتهم على التأثير في الرأي العام الدولي . إن ذلك يبرر التساؤل بحق عن الغرض من هذه "الحركة"، ولا أقول التحرك، في هذا الوقت بالذات الذي تتحرك فيه السلطة الفلسطينية من أجل تفعيل انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية، هذا الانضمام الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه أهم من المحاولات اليائسة معروفة النتائج في مجلس الأمن .
في الوقت نفسه، وبالتزامن مع عودة الحديث عن إعادة طرح المشروع العربي على مجلس الأمن، خرج وزير الخارجية "الإسرائيلية"، أفيغدور ليبرمان، بتصريحات قال فيها: إنه التقى قادة عرباً في باريس وفيينا، من دول عربية وصفها بأنها "معتدلة" بهدف إقناعهم بالتوصل إلى "تسوية سياسية" للقضية الفلسطينية، تفرض نتائجها على الفلسطينيين . ليبرمان لم يسم أياً من تلك الدول أو أياً من أولئك القادة، لكن أياً من العواصم العربية لم تنف مزاعم ليبرمان . فكيف لمن يلتقي القيادات "الإسرائيلية" من وراء ظهر السلطة وكل الأطراف الفلسطينية أن يدعم مشروعاً لها ترفضه كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة؟! وإذا صدقت النية في تقديم المشروع، فأي غرض يراد منه؟
وفي الوقت الذي كانت الجامعة العربية تصوغ بيانها الختامي، ذكرت الإذاعة "الإسرائيلية" العامة في تقرير لها، أن بعض الدول أبدت استعداداً لتأييد المشروع العربي في مجلس الأمن، بهدف تحريك "العملية السياسية"، بينما عبرت دول أخرى، مثل نيوزيلندة وإسبانيا، عن رأي يقول من الأفضل تأجيل تقديم المشروع إلى ما بعد الانتخابات "الإسرائيلية" . فهل يكون هذا هو الغرض من الحديث عن تقديم المشروع في هذا الوقت؟ إن تصريح نائب رئيس الشؤون السياسية للأمم المتحدة، جنيس فراندزن، يمكن أن يضيء على السؤال، وقد قال: إن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قلق من دوامة التصعيد بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، وهو يدعو الجانبين إلى التوقف عن ذلك وتصعيد الانقسامات القائمة . وأضاف: "إن الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" يدخل الآن في منطقة مجهولة، ويبدو أنها خيبت أي أمل قريب في العودة إلى محادثات السلام"، مشيراً إلى أن "فرص استئناف المفاوضات أصبحت شبه معدومة" .
ما يلفت النظر، أن تبذل السلطة الفلسطينية، ومعها بعض العرب، جهوداً في أمر يعرفون أنه محكوم عليه بالفشل في مجلس الأمن . فالولايات المتحدة لم تغير موقفها، وهي أعلنت أنها مستعدة لأن تلجأ إلى "الفيتو" إن لزم الأمر لإسقاط المشروع، ما لم يكن وراء الكواليس، أو تحت الطاولة، ما لا نعرفه من معلومات . ولأن الأطراف العربية، وقبلها السلطة الفلسطينية، ليست في وارد أي فعل يجبر إسرائيل على الموافقة على ما لا تقبل، وأنه ليس لديها ما تفعله إلا ما يسمونه "العمل السياسي والدبلوماسي"، ولأن أي "حركة" أفضل من الوقوف بلا حراك، لا يبقى إلا عمل شيء من أجل استئناف المفاوضات بين الحكومة "الإسرائيلية" والسلطة الفلسطينية برعاية الراعي الأوحد . وهكذا يسحب فتيل الانفجار، الذي لا بد آت، حتى إشعار آخر .

 

المصدر: الخليج