المهمّ ما قبل موسكو
في 16 شباط 1946، أي بعد بضعة أشهر من إنشاء منظّمة الأمم المتحدة، جاء أوّل استخدام لحقّ النقض في مجلس الأمن، بعد أقلّ من شهر على أوّل اجتماع له، من قبل الاتحاد السوفياتي ولمصلحة سوريا ولبنان.
كان هذان البلدان قد قدّما شكوى إلى المجلس لإلزام فرنسا وبريطانيا بسحب قوّاتهما بالكامل من أراضيهما، من دون قيدٍ أو شرطٍ أو تفاوضٍ على أمور أخرى، كما كان وعد الجنرال ديغول. نشأ الخلاف حول الرغبة الفرنسيّة وأيضاً البريطانيّة في كسب بعض الامتيازات، بينها قواعد عسكريّة، تضمّنها اتفاقٌ عقداه بينهما في كانون الأوّل الذي سبقه. وقف الاتحاد السوفياتي حينها لمصلحة لبنان وسوريا. ويومها قدّمت مصر، التي لم تكن قد حصلت على جلاء قوّات الانتداب البريطانيّ، مشروع قرارٍ واضحا وملزما، تمّ رفضه. وقدّمت الولايات المتحدة مشروع قرارٍ آخر يجاري حليفتيها، فرنسا وبريطانيا، أتى «الفيتو» ليوقفه.
لم تكن روسيا، السوفياتيّة أم القيصريّة، بعيدة يوماً عن المشرق العربيّ. ويسجّل التاريخ لها مواقف مشرّفة تجاه شعوب المنطقة، كان لها أثر كبير على تحوّلاتهم، كما يوم أوقفت العدوان الثلاثيّ على مصر بالتهديد بضربة نوويّة، وساندتها الولايات المتحدة في ذلك. إلاّ أنّ موقفها تجاه تطوّر الصراع في سوريا، مُلتبِس ينتقده أغلب معارضي السلطة السوريّة. حيث نقضت، مجتمعةً مع الصين، ثلاثة مشاريع قرارات في مجلس الأمن تجاه الصراع في سوريا، مع أنّها جميعها أتت قبل أن يتحوّل هذا الصراع إلى حربٍ مفتوحة كما هي اليوم. وكانت الخلفيّة ما حدث في ليبيا وعليها.
اليوم، وفي ظلّ ظروفٍ روسيّة معقّدة، أخذت وزارتها للخارجيّة على عاتقها دعوة معارضين سوريين «للقاءات أوليّة» بينهم، ثمّ مع ممثلي الحكومة القائمة، «لمناقشة آفاق إقامة حوارٍ شاملٍ بين السوريين مع جدول أعمال مفتوح» (حسب نصّ الدعوة) مؤكّدة أنّ «لا بديل عن تسوية سياسية للأزمة الداخلية المزمنة في سوريا على أسس المبادئ الواردة في بيان جنيف في 30 حزيران 2012 الذي وافق عليه قرار مجلس الأمن 2118». ذلك القرار الذي أتى مهدّداً بالفصل السابع بعد استخدام السلاح الكيماويّ في دمشق، والذي «يؤيّد تأييداً تامّاً» بيان جنيف 1 «بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذيّة».
لا تكمن المخاطرة الأساسيّة لروسيا في ما سيؤول إليه هذا اللقاء التشاوريّ الأوّل، وإنّما في ما سيطلقه من ديناميّات. إذ اختارت الخارجيّة الروسية أن تكون دعواتها لأشخاص، وليس للأجسام السياسية المعارِضة، ما يجلب انتقادات. بالتالي، ستُطلِق هذه الدعوة حركة سياسيّة ضمن أجسام المعارضة ستكون هي المفصل. إذ إنّ ما سيكون مهمّاً هو قدرة المعارَضة السياسيّة على تخطّي خلافاتها، وأن تطرح على الرأي العامّ موقفاً موحّداً. فالخلافات طبيعيّة في ظلّ الديموقراطية وكذلك الذاتيّات، ولكنّ آلام الشعب السوريّ وتفتّت البلاد قد وصلت إلى حدّ يضع على الجميع مسؤوليّة كبرى.
الرأي العامّ السوريّ يطالب بنقلة نوعيّة تخرج البلاد من الصراع العبثيّ، وعلى ما يبدو أيضاً القوى الإقليّميّة الفاعلة. إذ من اللافت عدم انتقاد أكثر القوى دعماً للمعارضة لهذه الخطوة الروسية.
هكذا، وكما حين جرى التحضير لمؤتمر «جنيف 2» الذي كان المفترض فيه أن يراعي «تمثيل شعب سوريا تمثيلاً كاملاً والالتزام ببيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة»، ما يهمّ هو ما سيحدث قبل لقاء موسكو، وما الذي ستتفق المعارضة على طرحه على جدول أعمالها ويمكن أن يخلق نقلة نوعيّة للصراع. هل هو فقط النقاش حول جسم الحكم الانتقالي، أم مجموعة من الآليّات والخطوات يمكنها إيقاف الصراع وفكفكة أسسه؟
المصدر: السفير