الخلافات مع أميركا لا تفسد التحالف
برهنت أميركا لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي أنها خير سند لها في المحافل الدولية، حتى وإن لم تكن العلاقة مع حكومتها على أفضل وجه، بإفشالها المسعى الفلسطيني لتمرير قرار بإنهاء الاحتلال خلال عامين.
وقد أقر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بفضل أميركا، لكنه سجل في حسابه الشخصي، ربما بغير وجه حق، تغيير نمط التصويت الأفريقي من التأييد التلقائي للحق العربي إلى الامتناع عن التصويت. وكان لافتا أن الوفد الفلسطيني تعامل مع الفشل في تمرير القرار كأنه متوقع، ويهدف إلى توجيه رسالة، في حين أن فرحة إسرائيل بهذا الإنجاز كانت لحظية.
وقد أشار معلقون إسرائيليون إلى أن الفشل الفلسطيني في مجلس الأمن يوفر تذكرة أخرى لمدى أهمية العلاقة بين أميركا وإسرائيل وجدواها للأمن القومي للأخيرة. واستخلص هؤلاء الدرس بوجوب الحفاظ على أفضل علاقة مع الإدارة الأميركية وتجنب النزاعات معها.
وبعيدا عن التفاخر الشخصي من جانب نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان بالدور الذي لعبه الأول مع «صديقيه» الرئيسين النيجيري جوناثان غودلاك والرواندي وبول كاغما، لإقناعهما بالامتناع عن التصويت، ولعبه الثاني ببلورة سياسة التقرب من أفريقيا، فإن ديبلوماسيين إسرائيليين يقرون بأنه لولا الدور الأميركي لما فشل المسعى الفلسطيني. وفي نظرهم فإن الأميركيين ليس فقط استخدموا حق النقض (الفيتو) وإنما عملوا بجهد كي لا تتوفر غالبية مؤيدة لمشروع القرار الفلسطيني.
وكان ذا معنى على وجه الخصوص انتقال نيجيريا من موقع الدولة المؤيدة بشكل تلقائي للقضايا العربية إلى موقع الممتنع عن التصويت. ونيجيريا هي دولة أفريقية يدين أكثر من نصف سكانها بالإسلام، وكانت تعتبر الصوت التاسع المضمون، لكنها انقلبت على مواقفها السابقة وامتنعت عن التصويت. ويعتقد البعض أن واشنطن لعبت الدور الأبرز في إقناع نيجيريا بالامتناع عن التصويت، فيما يرى الآخرون أن السبب يكمن في تعزيز العلاقات الأمنية مع إسرائيل في إطار مكافحة الأصولية الإسلامية.
غير أن النجاح مع دولتين أفريقيتين لا يعتبر بحد ذاته، في نظر الإسرائيليين، النجاح المنتظر. فقد أخفى ذلك واقع أن بين الدول التي أيدت مشروع القرار الفلسطيني ثلاث دول عظمى تملك حق النقض، وهي روسيا والصين وفرنسا، كما أن بينها دولتين أوروبيتين، فرنسا ولوكسمبورغ، في حين لم تقف إلى جانب إسرائيل سوى أميركا واستراليا.
وفي كل حال فقد استقبلت إسرائيل فشل القرار في الأمم المتحدة بمشاعر متضاربة. وقال وزير الشؤون الإستراتيجية يوفال شتاينتس أن «الواقع المؤسف بأن دولتين صديقتين لإسرائيل، فرنسا وبريطانيا، أيدتا أو امتنعتا عن التصويت هو أمر مقلق». وأضاف أن هذا يفرض حاجة ملحة لزيادة نجاعة السياسة الخارجية والإعلام في الحلبة الدولية.
وهذا يقود الكثيرين للحديث عن الخطوة التالية في مجلس الأمن في ظل وجود الصيغة الأوروبية، التي عرضتها بشكل أساسي فرنسا التي أيدت الصيغة الفلسطينية. وهنا يأتي الواقع الجديد في المجلس الذي يتمثل بخروج كل من استراليا، التي أيدت إسرائيل، ورواندا التي امتنعت عن التصويت ودخول لاعبين جديدين يؤيدان الفلسطينيين، هما فنزويلا وماليزيا.
عموما اختلفت الآراء داخل مؤسسات التقدير الإسرائيلية إزاء نتائج التصويت. ففي وزارة الخارجية الإسرائيلية ساد الرأي أن الفلسطينيين أرادوا الفشل كي لا يجبروا الأميركيين على الوقوع في صدام جلي معهم، الأمر الذي قد يقود إلى خسارة المساعدات الأميركية. ويقولون إن وزير الخارجية جون كيري مارس ضغوطاً مكثفة على الفلسطينيين كي تكون هذه وجهتهم، وليس انتظار التغيير داخل مجلس الأمن. ولكن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، الذي يتعامل مع ما جرى وكأنه إنجاز كبير للسياسة التي ينتهجها نتنياهو، يرى أن الفشل كان محصلة الجهد الذي بذله رئيس الحكومة لإبعاد نيجيريا عن تأييد الموقف الفلسطيني.
وأيا يكن الحال فإن إسرائيل اعتبرت الفشل الفلسطيني رسالة واضحة من جانب الأسرة الدولية بوجود واقع جديد، وسلم أولويات جديد، يقوم على رفض الألاعيب ومحاولات فرض أمر واقع على المفاوضات مع إسرائيل. وأشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن العالم، بمن فيه من أيد مشروع القرار، قال للفلسطينيين إن طريق الحل هو المفاوضات وليس مجلس الأمن.
وقال ليبرمان أن «فشل مشروع القرار ينبغي أن يعلم الفلسطينيين أن الاحتجاجات، ومحاولات فرض الخطوات من طرف واحد على إسرائيل، لن تقودهم إلى أي انجاز، بل العكس. استخفاف الفلسطينيين بالدول الأهم في الأسرة الدولية، وعلى رأسها أميركا، ينبع أيضا من الإسناد الذي ينالونه من بعض دول أوروبا».
عموما يؤمن كثيرون، من واقع التهديدات الفلسطينية، أن الخطوة التالية هي التوجه للانضمام إلى المؤسسات والمعاهدات الدولية وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية. وسبق لرئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أن أكد هذه الخطوة، سواء فشل مشروع القرار أو استخدم الأميركي حق النقض. وقد عقدت القيادة الفلسطينية اجتماعا طارئا لها في رام الله بعد الفشل في نيويورك وعلى جدول الأعمال قرار الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية الذي لا يحتاج إلا إلى توقيع الرئيس محمود عباس على طلب بشأنه.
المصدر: السفير