الدولة اليهودية مسمار آخر في نعش عملية السلام
في الوقت الذي يتعاظم فيه تأييد شعوب العالم للقضية الفلسطينية، وتتداعي فيه دول غربية عديدة، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، على أساس وجود كيانين مستقلين على أرض فلسطين التاريخية، يواصل الكيان الصهيوني الغاصب صلفه وغطرسته ونهجه العنصري، ويدير وجهه للتطلعات المشروعة للفلسطينيين في الحرية والاستقلال والانعتاق وحق تقرير المصر. فيواصل بناء المستوطنات، ويسرع بتهويد الأرض المقدسة.
يؤكد العدو الصهيوني، في تحديه للعالم بأسره، ومن خلال عنصريته ونهجه التوسعي، وسعيه الحثيث لتذويب الهوية الفلسطينية، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، أنه مشروع حرب، وأن خياره لم يكن ولن يكون أبدا طريق السلام. ولم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير، باعتبار فلسطين، وطنا قوميا لكل يهود العالم، سوى تتويجا لممارسات ونهج عنصري، ارتبط بالمشروع الصهيوني، منذ تأسيسه.
وقد وضع مؤسس الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل الأساس لهذا النهج بإعلانه أن الوطن اليهودي، على أرض فلسطين سيكون سياجا فاصلا بين العالم المتحضر، وبين الشعوب البربرية، قد وضع الحجر الأساس، لرؤية قادة وزعماء الحركة الصهيونية، منذ بداياتها الأولى.
اعتمد الصهاينة في سعيهم لاكتساب فلسطين، سياسة المراحل. فإثر النكبة، تركزت تصريحاتهم، على أن جل ما يطمحون له هو تسليم الحكومات العربية، بوجودهم، والاعتراف بكيانهم الغاصب. وأنهم ينشدون السلام، ويسعون إلى أن تكون علاقاتهم طيبة مع جيرانهم العرب.
وكان الفلسطينيون، من خلال تجربتهم القاسية، مع العدو ومعاناتهم في ظل اغتصابه لأرضهم، وما سكن في ذاكرتهم من مجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية، في دير ياسين وبئر السبع، يدركون ألاعيب الصهاينة، ويحذرون منها، ويذكرون بأن هدف الحركة الصهيونية، هو الاستيلاء على الأرض العربية، الممتدة من الفرات إلى النيل. وأن احتلال فلسطين، ليس إلا المحطة الأولى، في مشروع الهيمنة الصهيوني.
تكشف هذا الواقع المرير للعرب، بعد نكسة يونيو عام 1967، قبل سبعة وأربعين عاما، حين تمكن جيش الاحتلال الصهيوني، من الاستيلاء على شبه جزيرة سيناء كاملة، وعلى الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وتضاعفت مساحة الكيان عدة مرات. وصدر قرار مجلس الأمن الدولي 242، الذي اعتبر احتلال أراضي الغير عن طريق القوة إجراء باطلا. وبقي قرار مجلس الأمن الدولي المذكور دون تنفيذ حتى يومنا هذا.
منذ ذلك التاريخ، تقدم العرب بمبادرات كثيرة، وقطعوا خطوات كبيرة، على طريق التسوية، مؤكدين جديتهم في التوصل إلى سلام وإن يكن غير عادل، على أمل أن يؤدي ذلك إلى الاحتفاظ بالحدود الدنيا، من الحقوق الفلسطينية. لكن الصهاينة، كانوا ينحون منحا آخر.
فمنذ نكسة يونيو، غدت مسألة يهودية كيان الغاصب، موضوعاً رئيسيا، في برامج الأحزاب اليمينية "الإسرائيلية". وكانت المعضلة أمام مشروع التهويد، هو تكاثرد أعداد الفلسطينيين، بالضفة الغربية، وقطاع غزة، بل وتضاعف أعدادهم، بالأراضي التي احتلها الصهاينة، في عام النكبة عام 1948.
وكان حزب العمل الإسرائيلي، قد رأى في قيام دولة فلسطينية مستقلة بالضفة والقطاع، وبتفصيل صهيوني، حلا للمشكلة الديمغرافية، التي تواجه الدولة اليهودية، الخاصة "بالعرق اليهودي". وقد برز ذلك بوضوح في مناقشات حزب العمل "الإسرائيلي" أثناء انتفاضة أطفال الحجارة.
لقد عول الصهاينة، حين أسسوا كيانهم الغاصب، بعد طرد سكانها الأصليين، على أنهم سيتمكنون من تذويب الهوية الفلسطينية، لكن صمود الفلسطينيين، أكد أن اندماجهم بالمشروع الصهيوني عمل مستحيل.
مجددا عاود الصهاينة، أطروحتهم حول يهودية الدولة، حيث اعتبر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو موافقة الفلسطينيين على ذلك شرطا، للاعتراف بدولة مستقلة لهم، واعتبر أن أساس السلام هو الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي. وجاء قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير، حول تعريف هوية إسرائيل بأنها «الدولة القومية للشعب اليهودي، منسجما مع التصريحات العنصرية لرئيس الحكومة.
إن القبول بهذا القرار، من قبل الفلسطينيين والعرب، إن تحقق لا سمح الله، سيضع المقدمة القانونية، لطرد الفلسطينيين، الصامدين من أرضهم. ففلسطينوا حيفا ويافا، والناصرة وبقية المدن الفلسطينية، سيصبحون ضمن الرؤية الجديدة سيصبحون جالية فلسطينية مقيمة في دولة "إسرائيل". يخضعون كمقيمين، وليس كمواطنين، لأنظمتها وقوانينها، وتملك حق طردهم متى ما شاءت. وأن أرض فلسطين، بموجب هذا القرار، هي لليهود فقط.
وإذا ما وافق الكنيست الإسرائيلي، على قرار حكومة نتنياهو، حول يهودية "إسرائيل، وسلم المجتمع الدولي بذلك، ومنح الأبعاد القانونية والسياسية، فإن ذلك سيكون الأرضية لتجريد الفلسطينيين من حقوقهم، بما في ذلك حق العودة وتقرير المصير، وهي حقوق ضمنها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وبالتأكيد فإن الصمت العربي والعجز الفلسطيني عن مواجهة هذا القرار، سيؤدي إلى بقاء اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم للأبد. وسوف يكون ذلك عامل تسريع لمشاريع توطين الفلسطينيين بالأماكن التي يوجدون فيها، والذي يواجه حتى الآن برفض العرب. وسوف تكون من نتائجه، تحقيق تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، يجعل من الدولة العبرية كياناً يهودياً خالصاً، لتتحقق فرادة أخرى للصهاينة تضاف إلى فرادات "الهولوكست" و"الشعب المختار"، وأساطير التاريخ والوعد الإلهي بحيازة فلسطين، مجسدة صورة دراماتيكية للعقيدة الصهيونية، من حيث تفوقها في عنصريتها، من دون منازع.
وإذا ما طبق، قانون القومية الإسرائيلي، فإن ذلك يعني قضاء مبرما على حل الدولتين، ونزع المواطنة عن فلسطينيي 48 تمهيدا لطردهم في مرحلة لاحقة، وسلب اللاجئين حقهم بالعودة وتكريس احتلال الضفة والقدس. فهل سيستمر العجز العربي، عن مواجهة العنصرية والغطرسة والصلف الصهيوني، أم أن هذه الخطوة لتكون محرضا لمواجهة عربية حقيقية للعدوان؟!
المصدر: التجديد العربي