ليلة سوداء في فيرغسون
يونس السيد يونس السيد

ليلة سوداء في فيرغسون

أعمال العنف والشغب التي اندلعت ليلة تبرئة شرطي قتل شاباً على خلفية عرقية في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري وسط الولايات المتحدة، وسرعان ما سرت كالنار في الهشيم إلى عدد كبير من الولايات والمدن الأمريكية، ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في بلد مثقل بهذا النوع من الاحتجاجات التي تأتي دوماً على هذه الخلفية.

وأياً تكن الأسباب التي أدت إلى تبرئة هذا الشرطي، سواء كانت لعدم كفاية الأدلة، واعتباره في حالة دفاع مشروع عن النفس كما بررت ذلك هيئة المحلفين، أو لأي سبب آخر، فإن الحادثة وتداعياتها، جاءت لتسلط الضوء من جديد على سياسات التمييز العنصري، والقوانين المتعلقة بالنظام القضائي بشكل خاص، وطبيعة العلاقات المركبة والهشة داخل المجتمع الأمريكي . فالأيادي البيضاء التي تدخلت لتبرئة هذا الشرطي الذي أطلق 6 رصاصات على شاب أعزل يدعى مايكل براون، أمام أعين الناس، في أغسطس/آب الماضي، كانت تعرف مسبقاً أنها ستحوّل ليل هذه المدينة الصغيرة إلى سواد، وأن قرارها سيثير غضباً عارماً، انفجر بالفعل على شكل أعمال عنف تخللها إطلاق نار وإحراق مباني ومؤسسات، ما استدعى استقدام تعزيزات عسكرية إضافية، قبل أن يمتد إلى نحو 170 مدينة أمريكية أخرى، معيدا إلى الأذهان سلسلة طويلة من أحداث مماثلة بدأت منذ منتصف ستينات القرن الماضي وتصاعدت عقب اغتيال داعية الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ، وسقط خلالها آلاف القتلى والجرحى .

ربما تكشف هذه الأحداث عن الوجه الآخر للمجتمع الأمريكي الذي لا يزال يرزح تحت وطأة جرائم منتصف الليل وعمليات إطلاق النار في المدارس والمعاهد والجامعات، ويختبئ وراء عقلية الكاوبوي التي لا تزال تتسيد علاقاته الداخلية . فمعظم الأحداث المشابهة كانت تنتهي إما بتبرئة رجال الشرطة عندما يتعلق الأمر بمقتل السود، أو انتصار الأغنياء على الفقراء، وهي حقيقة تتناقض تماماً مع محاولات الظهور بالمظهر الحضاري المدافع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرص على دولة القانون والمؤسسات . وهنا تكمن المفارقة المدهشة، إذ يبدو أن المجتمع الأمريكي الذي يحمل على كاهله كل هذا الإرث المتناقض، لم يستطع بعد أن يستوعب أن ابراهام لنكولن، الذي أنهى الحرب الأهلية ووحد أمريكا، قد حرر العبيد أيضاً قبل نحو 150 عاماً . بهذا المعنى، فإن المسألة لم تعد تقتصر على سن القوانين والتشريعات، على أهمية مراجعتها، بقدر ما تحتاج إلى إعادة صياغة العلاقات الداخلية والثقافة السائدة على أسس ومفاهيم جديدة، من دون إسقاط خصوصيات مكونات هذا المجتمع الدينية والعرقية . فالمشكلة أنه مهما بلغ المجتمع الأمريكي من التطور والرقي، فانه لا يزال غير قادر على أن يخلع جلده، إذ يبقى الأغنياء بالنسبة إليه هم الأغنياء، والفقراء هم الفقراء، والأبيض يبقى أبيض والأسود أسود، ما لم يتم إحداث التغيير المطلوب في الأنظمة والقوانين والثقافة المشوهة، تمهيدا لإعادة بناء العلاقات المجتمعية على أسس ديمقراطية بعيدة عن شبهة العرقية والتمييز العنصري.

 

المصدر: الخليج