لقاءات رام الله…هل هي «تطبيع سياسي» فقط ؟
على الرغم من انشغال المواطن العربي بتداعيات الحراك الشعبي المصري، ومتابعته لتطورات المشهد السياسي/العسكري/الاقتصادي في سوريا، وقلقه من دورة العنف الدموية التي تستهدف مناطق العراق وليبيا، ومن التفجيرات المتنقلة على الأرض اللبنانية، والأزمات الحادة في السودان واليمن وتونس والمغرب والأردن،
فإن ما شهدته مدينة القدس ورام الله المحتلتين في الأيام القليلة الماضية، من حوارات بين رموز نهج الاستسلام والتبعية وقيادات مركزية بالمؤسسة الصهيونية الحاكمة لم يأخذ الاهتمام الكافي من قوى وقطاعات شعبية واسعة، خاصة وأنه جاء في ظل حملات الاعتقال الوحشية ضد مناضلي الشعب الفلسطيني، والمحاولات المستمرة لاجتياح وتخريب الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، خاصة المسجد الأقصى، وإقرار خطط بناء وحدات سكنية جديدة في المستعمرات، بالإضافة إلى المشاريع القائمة على تنفيذ “المخطط المكاني” الذي يهدف للسيطرة على العديد من أراضي القرى والأراضي الزراعية ومكامن المياه الجوفية . تبرز خطورة هذه اللقاءات/ الحوارات، من حيث توقيتها وأهدافها، في ظل ما تتعرض له بعض الأقطار العربية من هجمات استعمارية/صهيونية/رجعية، من خلال قوى عالمية وإقليمية، وأدوات محلية تعمل على تنفيذ مشروع التفتيت والهيمنة والتبعية والتخلف، وهو ما يشير إلى أبعاد خطيرة تمس أسس الصراع العربي/الصهيوني من جهة، وتكشف من الجهة الأخرى، عن مسار موازٍ للقاءات جون كيري بقيادة السلطة الرسمية (عباس وعريقات) تقوم على تنفيذه رموز أخرى من السلطة والحزب الحاكم .
في السابع من الشهر الجاري، استجاب خمسون عضواً من قيادة الأحزاب الصهيونية من الليكود وشاس وأعضاء مجالس فرعية، لدعوة وجهها لهم (تحالف السلام الفلسطيني ”الاسرائيلي”)، الذي صاغ وسوق ما عرف “مبادرة جنيف” التي ظهرت للنور في شهر كانون أول / ديسمبر 2003 بعد لقاءات مطولة بين عدد من قيادات سلطة الحكم الذاتي وحركة فتح وبعض رموز الاستسلام بقيادة ياسر عبد ربه، ومن جانب المستعمرين الصهاينة كان أبرزهم يوسي بيلين وبعض القادة الذي مارسوا في جيش الغزو الاحتلال الصهيوني، مذابح ضد شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية. اللقاء الذي انعقد في مبنى المقاطعة “الرئاسة” والذي قاده ياسر عبد ربه “أمين سر منظمة التحرير” ونبيل شعث عضو اللجنة المركزية بحركة فتح ومسؤول العلاقات الدولية، ومحمد المدني عضو مركزية فتح أيضاً، وأشرف العجرمي الذي خاطب أعضاء الكنيست في جلسة شارك بها بضرورة الذهاب لمفاوضات “السلام”، ورموز أخرى من ذات النهج، لم يكن حميمياً فقط كما جاء في كلمات الترحيب ووجبة الغداء التي أعدت حسب التعاليم اليهودية”. بل بما حمله من الاستفزاز لمشاعر الفلسطينيين وبما يفوق القدرة على استيعاب ”المجاملات” في مثل هكذا لقاءات!، حين عبّر نبيل شعث عن تمنياته بالشفاء للحاخام “عوفاديا يوسف” الأب الروحي لحزب شاس وللقوى الدينية العنصرية المجرمة بالكيان، الذي كرر مراراً “إن العربي الجيد هو العربي الميت، وأن الفلسطينيين هم أفاعي وحشرات” مضيفاً بـ” ضرورة قتل الأجنة في بطون الأمهات الفلسطينيات” .
على الجانب السياسي، كانت الكلمات المتبادلة والنقاشات التي دارت، تعيد إنتاج بؤس أفكار ”مبادرة جنيف” سيئة الصيت في وضع أكثر تعقيداً على صعيد المنطقة والقضية، مما يتطلب نهجاً أكثر صلابة لمواجهة الهجمة، تتطلب قوى ومناضلين لا يمتون بصلة إلى نهج ووظيفة تلك الرموز. إن ما حملته مداخلة عبد ربه باللقاء تكشف عن أهمية “الحل السياسي” الذي يهدف له هذا اللقاء والاجتماعات الأخرى، المكملة لمهمة جون كيري، وتشكيكاً بقدرة “السلام الاقتصادي” على إيجاد الحل (الجانب الفلسطيني يرحب بجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أجل استئناف المفاوضات، لكن من يصنع السلام في النهاية هما الجانبان الفلسطيني و ”الإسرائيلي”). مضيفاً (واهم من يعتقد ان الاقتصاد يصنع السلام، لا يوجد حل آخر غير سياسي) .مشدداً على(أن الجانب الفلسطيني مستعد للذهاب الى ابعد مدى من اجل تحقيق سلام يقوم على حل الدولتين على حدود عام 1967 الذي اعتبره مهماً للشعبين، من دون ان يفصح عن طبيعة هذه الخطوات). وهو ما أشار إليه من الجانب الآخر ” دافيد غلاس” مستشار حزب شاس بقوله (السلام اصبح شيئاً ممكنا، ولكن أي اتفاق يجب ان يأتي في مصلحة الدولتين).
يكشف الواقع الراهن الذي تعيشه الجماهير الفلسطينية، سراب ما تفكر به ” القيادات والنخب!” التي تعيش أحلام يقظتها. لم يعد في الأرض مساحة تتيح قيام ” دولة أو دويلة “_ كما يتوهم بعض دعاة بناء الدولة_، ولن يسمح المحتل الذي يحمل خطط الهيمنة والتوسع، بالتنازل لأطراف ضعيفة تستجدي حقوقها.
على مدى عشرة أعوام، لم يتوقف أعضاء مبادرة جنيف ومثيلاتها عن استكمال وظيفتهم في المجتمع الفلسطيني وداخل المشهد السياسي، بسبب ضعف المواجهة السياسية/الجماهيرية لنهجهم خاصة وأن معظم القوى السياسية التزمت الصمت عما دار في اللقاءات. وما صدر من مواقف لبعض القوى لم يكن بمستوى الحدث” قراءة لخطورته، وكإجراءات ضد المشاركين فيه”. لكن اللافت كان صدور مواقف متقدمة لبعض قادة فتح، ولعدد من اللجان والهيئات المجتمعية الرافضة والمنددة باللقاء والمطالبة بعزل عبد ربه.