السلاح إيراني والنقل أميركي من أربيل إلى عين العرب
سلاح إيراني ـ كردي بموافقة وشحن أميركي للمقاتلين الأكراد في عين العرب (كوباني) السورية.
المدينة السورية، ذات الغالبية الكردية، المحاصرة من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» جنوباً وشرقاً وغرباً، ومن الأتراك شمالاً، تعكس تعقيدات التحالف ضد الإرهاب. فلكي تصل أسلحة إلى المحاصَرين في المدينة، نقل «الاتحاد الوطني الكردستاني» جزءاً من أسلحة تلقاها من إيران إلى المطار الذي يديره في اربيل «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني، لتحمله وتلقي به بالمظلات طائرات «سي 130» الأميركية.
وفرض نقل شحنة، من 24 طناً من الذخائر والأدوية والأسلحة، قدراً عالياً من البراغماتية في الحرب ضد «داعش»، بين الإيرانيين من جهة، وجناحَي كردستان العراق جلال الطالباني والبرزاني في الوسط، وبين الأميركيين على الطرف الآخر من المشهد.
ورغم أنه لم تتضح خطوط الاستراتيجية الأميركية في الحرب على «داعش» وما يسعى إليه التحالف ضد الإرهاب في سوريا، إلا أنها لا تتضمّن بأي حال الإذعان لشروط الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للانخراط في التحالف، لا سيما ما يتعلق منها بتوسيع الحرب على «الدولة الإسلامية»، وتحويلها إلى حرب مفتوحة لإسقاط النظام السوري، الذي لم يعد هدفاً منسجماً مع سياسة الحرب على الإرهاب، بل وشريك ضروري غير معلن، لمجرد إرضاء الحليف التركي.
وخلال الساعات الماضية ذهب الأميركيون أبعد مما كان منتظراً للضغط على الأتراك، وجرّهم إلى التحالف، بالعمل علناً مع «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، من دون مبالاة بصراخ الرئيس التركي عن الحزب «الإرهابي»، وتقديم طائراتهم لنقل أسلحة إلى مقاتلين تعتبرهم أنقرة جزءاً من «إرهابيي حزب العمال الكردستاني»، كما قال اردوغان.
وتنعقد مؤشرات، بعد لقاءات أميركية أولية في باريس في 12 تشرين الأول الحالي، مع زعيم «الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد، إلى إعادة النظر بموقفهم من الأكراد السوريين، والذهاب نحو التنسيق معهم عسكرياً. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف إن القانون الأميركي لا يطبق التصنيف نفسه على «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديموقراطي».
وأمام استبعاد النزول على الأرض لمواجهة جنود زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، يتجه الأميركيون إلى الاعتماد على القوة السورية الوحيدة التي واجهت بفعالية «الدولة الإسلامية» على جميع الجبهات، وهي القوة الكردية، التي تتمتع بانسجام واضح، سياسي وعسكري، مع بعض التعديلات على تركيبتها لإرضاء البرزاني بدمج الأحزاب الكردية السورية المقرّبة منه في بنية «الإدارة الذاتية». ويبدو الخيار الكردي أفضل الخيارات المحتملة أميركياً في ظل الحاجة إلى استمرار استنزاف «داعش» حول عين العرب، والنجاعة النسبية لغارات التحالف، وفي ظل استعصاء مزدوج: تحريم مدّ اليد للجيش السوري مباشرة، وعلناً حتى الآن، والتسليم على كل المستويات أميركياً بأنه لا توجد قوة سورية معارضة «معتدلة» يمكن التعويل عليها، فضلاً عن أن بناءها يتطلّب سنوات من العمل، كما قال منسق التحالف الجنرال جون آلن.
ويقول خبير غربي، يعمل مع المعارضة السورية في إنطاكيا، إن الخيارات أمام الأميركيين والسعوديين والقطريين والأتراك تضيق أكثر من أي وقت، بشأن ضخ شيء من الانسجام والتنسيق العسكري والسياسي، في مجموعات المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري. ويبدو أن غرف العمليات، التي تشرف عليها الاستخبارات التركية والقطرية والسعودية والأميركية في إنطاكيا، تعاني من شلل متزايد، بعد الإخفاق الذي لحق بمعظم العمليات التي نظمتها الأجهزة الغربية مع «أحرار الشام» و«الجبهة الإسلامية»، و«حركة حزم».
وتتردد هذه المجموعات في توسيع عمليات التجنيد، مع قدرتها الواضحة على ذلك، ومع التشجيع والمساعدة الذي تتلقاه من الاستخبارات التركية، التي وسعت نطاق تعاونها مع الجماعات «الجهادية»، إلا أن بعض هذه الجماعات توقف عن تجنيد عناصر إسلامية «جهادية» جديدة، بسبب استمرار النزف في صفوفها، والتحاق أكثر من 10 آلاف مقاتل منهم، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بصفوف «داعش»، وتحولهم إلى مصدر لتعويض «الدولة الإسلامية» عن خسائره في المعارك المستمرة مع التحالف.
وللردّ على المبادرة الأميركية غير المسبوقة في التقارب بمظلات شحنات الأسلحة مع الأكراد و«حزب العمال الكردستاني»، أشاع الأتراك، عبر وزير خارجيتهم مولود جاويش اوغلو التباساً مقصوداً، بالقول إنهم سمحوا بعبور مقاتلين من «البشمركة» البرزانيين إلى عين العرب، في حين لم تحسم المفاوضات بين الأكراد السوريين أنفسهم، في دهوك، قرار إرسال قوات من «البشمركة» العراقية أو السورية. وقال أوغلو «إنهم يدرسون وصول هؤلاء المقاتلين عبر الأراضي التركية»، مضيفاً «ننتظر أن يناقش الاتحاد الديموقراطي والبشمركة الأمر ويتوصلوا الى اتفاق. سنتخذ التدابير اللازمة عندما تتوفر هذه الشروط». لكنه استبعد مجدداً تقديم مساعدات مباشرة الى «الاتحاد الديموقراطي» الذي تعتبره تركيا «إرهابياً». وقال «نحن نعارض كل خطة تهدف إلى تقديم الدعم الكثيف لحزب الاتحاد الديموقراطي».
ويفكر الأتراك في حيرتهم الديبلوماسية وتخبطهم بتسليم المدينة إلى رجال حليفهم مسعود البرزاني، للتخلص من مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية، الذين يدينون بالولاء إلى «حزب العمال الكردستاني»، والتملص من ضغوط غربية وأميركية دعتهم إلى فتح ممرات آمنة لعبور مقاتلين أكراد إلى عين العرب. وكان الأتراك أنفسهم وعدوا صالح مسلم، خلال زيارته مطلع الشهر الحالي إلى اسطنبول، بأن يقوموا بفتح ممر في أراضيهم، لرتل من «وحدات حماية الشعب»، ينطلق من القامشلي نحو كوباني.
لكن خيار إرسال «بشمركة البرزاني» لم يحسم كردياً بعد. فمن دهوك في كردستان العراق، نفى عضو الهيئة الكردية العليا الدار خليل أن تكون أي قوات من «البشمركة» عبرت الأراضي التركية باتجاه عين العرب. وليس متوقعاً أن يصل مقاتلون أكراد في القريب العاجل، عبر تركيا، لنجدة المحاصرين نظراً إلى استعصاء الاتفاق بين مفاوضي «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الذي يقود الإدارة الذاتية و«وحدات حماية الشعب»، وبين المجموعة المقربة من مسعود البرزاني في «المجلس الوطني الكردي»، وحليفة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض. إذ لم تتوصل المفاوضات بين المحورين الكرديين السوريين إلى اتفاق على إرسال 400 مقاتل سوري من «بشمركة روجافا» (غرب كردستان)، إلى عين العرب، بعد عامين على وصولهم إلى مخيمات التدريب في أربيل.
ويقول مسؤول كردي، مقرب من «الاتحاد الديموقراطي»، «إننا لا نثق بهؤلاء، خصوصاً أن قياداتهم تتشكل من عناصر فرّت من حزب العمال الكردستاني، وتعاملت مع الاستخبارات التركية، ونحن لدينا ما يكفي من المقاتلين، وهناك لواءان من الاتحاد الديموقراطي في سنجار، وفصيلان من قوات حزب العمال الكردستاني يمكنهما الالتحاق فوراً بالمدينة المحاصرة، لو وافق الأتراك».
«كوباني» لن تمنع الأميركيين والأتراك عن محاولة العمل سوياً. الخلافات الأميركية - التركية التي تتمحور حول رفض واشنطن شروط أردوغان شنّ حرب على الجيش السوري ودمشق لقبوله في التحالف ضد الإرهاب، لا تعني رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان ولا رئيس الاستخبارات الأميركية جون برينان، إذ كلف الجهازان بتحديد العناصر «المعتدلة» التي لا تريد واشنطن ترك أمر تشكيلها للسعوديين أو الأتراك وحدهم. إذ ذهب فيدان، إلى واشنطن الأسبوع الماضي، للقاء برينان للتفاهم على أسس بناء القوة السورية المعارضة المسلحة، التي ستشرف على تدريبها مجموعات من القوات الخاصة التركية والأميركية في معسكرات قرب اورفة.
ويبدأ النقاش في برنامج عمل المجموعة «المعتدلة» الجديدة، في زيارة سيقوم بها ضباط من البنتاغون نهاية الأسبوع الحالي، على أن يستأنف البحث الأسبوع المقبل، في واشنطن، مع وفد عسكري تركي يقوده قائد العمليات العسكرية في المنطقة الجنوبية الجنرال أردال أوزتورك.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون توسيع مجال الرحلات الاستطلاعية لطائرات بريطانية من دون طيار وطائرات التجسس التي عملت حتى الآن في العراق، إلى سوريا، «لجمع المعلومات في إطار جهودنا لحماية أمننا القومي من التهديد الإرهابي». وأضاف، في رسالة إلى النواب، أنه «لن يُجاز لطائرات ريبر استخدام أسلحتها في سوريا. هذا سيتطلب إذناً إضافياً»، موضحاً أن دخول المجال الجوي السوري سيبدأ «قريباً جداً».
المصدر: السفير