الفوضى الخلاقة = إدارة التوحش
تقاطع مثير للدهشة يصل الى حد التطابق الكلي وان بتعابير مختلفة بين استراتيجيتين لعدوين مفترضين:
الفوضى الخلاقة للولايات المتحدة الاميركية وادارة التوحش للتنظيمات القاعدية الجهادية.
الفوضى الخلاقة المصطلح الذي استخدمته وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندا ليزا رايس كاستراتيجية معتمدة لإنجاز الشرق الاوسط الجديد ونشر الديمقراطية في العالم العربي.
اما ادارة التوحش فهي استراتيجية القاعدة لتحقيق دولة الخلافة الاسلامية وتعنى بها مرحلة انهيار الانظمة وسيادة الفوضى وتحكم التيارات القاعدية في ادارة المناطق الخارجة عن سلطة الدولة، والانطلاق منها لتصميم النموذج على سائر المناطق والبلدان دون اعتبار لحدود الدول.
لست في معرض تبني نظرية المؤامرة او نفيها لكن لفت النظر إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين الاستراتيجيتين والمتمثلة بالنقاط الآتية:
ــ اضعاف الدول المركزية وتوهين سلطة الدولة واسقاط هيبتها.
ـ ضرب الجيوش باعتبارها عماد السلطة والأمن والاستقرار واستنزافها وتفكيكها.
ـ ضرب الاقتصاد الوطني وعدم تمكين الدولة من الوفاء بالتزاماتها وتأمين حاجيات شعبها الاساسية.
ـ تعميم الفساد واستغلاله إلى اقصى حد لتعميق الانقسام والفلتان الامني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ـ التسيب الاعلامي والفضائي وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي، واتاحة المجال لكل من هب ودب بافتتاح الفضائيات على تناقضاتها الحادة من دينية ومذهبية وعلمانية وقومية ووطنية وكلها تنهش في وعي الأمة وفي تحريضها على بعضها البعض واثارة كل انواع النعرات بكل اشكالها وبنشر كل انواع الاختلاف والتنوع لتكون مادة للصراع والتقاتل وفق نموذج فيصل القاسم الهادفة لتفجير واحياء كل اشكال الحقد والكراهية والتخوين والتكفير والتحقير تحت شعار الرأي والرأي الآخر.
ـ تشكل قطر، الجزيرة الصغيرة، نقطة التقاطع الواضحة بين الاستراتيجيتين فهي القاعدة الأم لقوات البحرية الاميركية والقاعدة الام ايضاً للقيادات السلفية الجهادية الطالبانية والاخوانية.
المفارقة ان الاستراتيجية الاميركية والقاعدية تفترقان في الاهداف المرجوة منهما. الولايات المتحدة تعتبر ان النتيجة الطبيعية لهذه الفوضى المدمرة ستكون لمصلحة قيم الديمقراطية والحرية بينما تعتبر القاعدة انها ستكون لمصلحة سيادة مشروعها الاسلامي المتشدد.
حتى هذه اللحظة من تاريخ اعتماد نظرية الفوضى الخلاقة أو ادارة التوحش يبدو ان التنظيمات القاعدية المنتشرة من افغانستان إلى المغرب عبر العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا والجزائر والصومال هي الأقدر على الاستفادة من هذه الاستراتيجية فيما تتردد الإدارة الأميركية وتتراجع عشر خطوات لتتقدم خطوة واحدة فيما القاعدة تتقدم. وهذه النتيجة منطقية بفعل عوامل عدة يعود اساسها لفارق جوهري ونوعي بين الطرفين:
ـ ان الولايات المتحدة هي دولة بعيدة وغريبة عن المنطقة ولم تعد مستعدة لدفع ثمن المواجهة بينما القاعدة من قلب المنطقة، وتملك كل التصميم والعزيمة ومستعدة بل متشوقة لخوض غمار المواجهة وتحمل تكاليفها واثمانها أياً كانت الى حدود التوحش. فارق جوهري آخر ان أميركا ليس لديها الكثير لتخسره في هذه المعركة فالمعركة ليست على أرضها والدمار والقتل ليس لبلادها وليس لرجالها وهي أقرب للنأي بنفسها عنها وبالتالي على خلاف القاعدة المندفعة والمنطلقة لتحقيق مشروعها.
بمعنى ان انتشار القاعدة في المنطقة لا يمثل هزيمة لأميركا القادرة على التكيف ولديها القدرة على توفير البدائل خصوصاً في مسألة النفط، فالاكتشافات النفطية والغازية الكبيرة المستحدثة واهمها ما بات يسمى بثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية يجعلها في وضع آمن لاحتمال خسارة النفط القادم من المنطقة كما ان ابتعاد هذه التيارات عن اسرائيل وعدم التعرض لها يجعلها أيضاً غير مكترثة لما يجري حولها، هذا اذا لم يكن مفيداً جداً لاسرائيل.
على المدى القريب والمتوسط.
ترى الولايات المتحدة ان الدول العربية في معظمها لا سيما الدول النفطية ما عادة قادرة على ضمان مصالحها ولا يمكن الرهان عليها في العقود القادمة فيما اثبتت دولتان كبيرتان انها قادرتان على مواجهة المد التكفيري الجهادي هما إيران ومصر فيما المنطقة التيار الاسلامي المتشدد في مقابل التيار العلماني المتجذر وسيكون على تركيا ان تختار ان تسقط في وحول الفوضى الخلاقة والانسياق وراء احلام السلطنة العثمانية او الانكفاء من جديد الى داخل حدودها والعودة الى سيرتها الاولى قبل الربيع العربي وان كان النزول عن الشجرة وليس كما صعودها.
المصدر: الأخبار