الأردن ينتج الإرهاب و.. يحاربه!
أحمد أبو حمد أحمد أبو حمد

الأردن ينتج الإرهاب و.. يحاربه!

عصفت المحركات النفاثة للطائرات الحربية المقاتلة التابعة للجيش الأردني صبيحة يوم الثالث والعشرين من شهر أيلول الفائت بجميع التحليلات والتكهنات التي اعتبرت بأن الدور الأردني في التحالف الدولي ضد الإرهاب سيكون مجرد دعم استخباراتي ولوجستي، باعتبار أنه شارك بوضع الخطط لهذا التحالف وقدم المعلومات اللازمة لآلية العمل التي لازالت غير واضحة الى الآن.

 

بصمة أردنية في بناء «الدولة»

الإرهاب والتطرف اللذان يجهد الأردن في محاربتهما اليوم، هما بعض من نتائج وقائع شارك الأردن بصياغتها سابقاً. فإذا عدنا بالزمن بضعة عقود، تحديداً إلى عهد الحرب السوفياتية /الأفغانية، نستعيد بأن الأردن سمح في تلك الفترة (كما الدول الخليجية المشاركة في التحالف اليوم) بخروج المقاتلين من أراضيه للالتحاق بالمقاومة الأفغانية كمجاهدين. ولم يقف ما عرف حينها بالأفغان العرب مكتوفي الأيدي بعد عودتهم من أفغانستان، بل تحوّلوا دعاة لفكرهم المتشدد وأنشأوا بؤراً تحتضن التيار السلفي الجهادي وتغذيه بالمقاتلين الأردنيين، أينما حطّت رحال "الجهاد" في بقاع الأرض.
وتنظيم الدولة الإسلامية القائم اليوم ليس سوى تضخيم وتوسع لفكرة بدأها أردني إسلامي أصولي، وتلميذ تمرّد على أستاذه وأقلق العالم سابقاً، حينما أعلن عن تشكيل "جماعة التوحيد والجهاد" ومقرها العراق: أحمد فاضل الخلايلة، المعروف بـ"أبو مصعب الزرقاوي". وهو أحد المجاهدين الذين قاتلوا في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، ثم انتقل للقتال في العراق العام 2004.
لطالما وُجّهت أصابع الاتهام إلى الأردن منذ بداية الأزمة السورية بتسهيل خروج المقاتلين من أراضيه لالتحاقهم بالتنظيمات المتشددة. بشكل متكرر وشبه أسبوعي يعلن التيار السلفي في الأردن عن مقتل أعضاء تابعين له على الأراضي السورية، بأعمار بلغ أصغرها 16 عاماً، وهم ينتمون الى فئات المجتمع المختلفة وبعضهم من حاملي الشهادات العلمية. كما تشير التقديرات الى أن عدد المقاتلين الاردنيين في سوريا يتجاوز الـ1500 مقاتل.

 

الهجوم أقوى وسيلة للدفاع
محاربة الأردن للإرهاب ليست جديدة، لكنها لم تكن معلنة بهذا الشكل يوماً، حيث تكتّمت الجهات الرسمية على المشاركة في الحرب ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان التي امتدت سنوات طويلة، إلى أن كشفتها عملية "خوست" الانتحارية التي كان فيها القاتل والمقتول أردنيين، لكن على طرفي نقيض. فمنفذ العملية هو العميل همام البلوي، وضحيتها ضابط الارتباط في المخابرات الأردنية الشريف علي بن زيد، الى جانب عملاء سي آي ايه. كما أعلن السفير البريطاني في عمّان بيتر ميلت أن الأردن بدأ شراكته وتحالفه مع الناتو منذ العام 1994، عبر المستشفيات الميدانية والإمدادات الاستخبارية المعلوماتية.
في تلك الفترة، كان الدور الأردني تنسيقياً استخباراتياً فقط، لكنه آثر الآن تغيير التكتيك واتباع خطة هجومية بدلاً من انتظار تسلل عناصر تنظيم الدولة إليه، أو حتى تنسيقهم مع مناصريهم لتنفيذ أي مخطط إرهابي داخل البلاد. كما أن توسع رقعة سيطرة تنظيم "الدولة" وتطويقه للحدود الشمالية الشرقية الأردنية بات مثيراً للقلق رسمياً وشعبياً.
أرقام غير رسمية تقدّر تكلفة الطلعة الجوية الواحدة لمدة ساعة بـ20 ألف دينار، وهو مبلغ طائل لا تستطيع الأردن تحمله لمدة طويلة. فمن يدفع تكاليف هذه الحرب؟ لكن السؤال الأكثر تداولاً يبقى عما إذا كانت هذه المشاركة بالعمليات العسكرية ستحمي الأردن من خطر الإرهاب أم أنها على العكس، ستزيد من احتمالية وقوعه، ولو على سبيل الأفعال الانتقامية.. التي ستغذي بدورها، في حال حصولها، التبريرات الرائجة اليوم عن ضرورة المشاركة في هذا التحالف الدولي.

 

 المصدر: السفير