صحافة الكيان: المعركة الجارية والآثار النفسية على المستوطنين...
شنت «إسرائيل» فجر الجمعة الماضي، 13 حزيران، ضربة داخل إيران استهدفت مواقع نووية وعسكرية بالإضافة إلى شخصيات عسكرية، ومناطق مدنية، بذريعة منعها من الحصول على سلاح نووي. وردت إيران لاحقاً يوم الجمعة، بإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، وبالتحديد نحو عدد من الأهداف في «تل أبيب»، الأمر الذي نشر الذعر بين «الإسرائيليين» وأرسلهم إلى الملاجئ. وعلى الرغم من إسقاط قسم من الصواريخ الإيرانية، إلا أن بعضها وصل إلى أهدافه، وأوقع قتلى وجرحى وتسبب بدرجات من الدمار غير مسبوقة في الوعي الاعتيادي لـ «الإسرائيليين» الذين اعتادوا على رؤية مثل هذا الدمار يحل بشعوب المنطقة، سواء كانوا هم السبب فيه، كما هو الحال في معظم الأحيان، أو لم يكونوا... أما أن يطالهم هم، وهم «العرق الأعلى»، فهو أمر لم يعهدوه سابقاً.
تُمثل هذه المواجهة تحولاً جذرياً منذ سنوات من صراع غلب عليه طابع المواجهة غير المباشرة إلى احتمالية حرب مفتوحة بين إيران والكيان، الأمر الذي لطالما كان مطروحاً على الطاولة ومتوقعاً، بالأخص مع استمرار وتصاعد العدوان «الإسرائيلي» في فلسطين ودول الجوار، والسلوك المتعجرف والبلطجي المتزايد من قبل الكيان، سياسياً وعسكرياً.
وبينما تهدف الضربات «الإسرائيلية» لإحداث أضرار عسكرية ومدنية، وتشكل استمراراً لأسلوبها العدائي الذي بات معروفاً وواضحاً للجميع، إلا أن إيران ومع معرفتها المسبقة بالقدرات لدى الكيان المدعوم بأحدث المنظومات الدفاعية الأمريكية، تمكنت من خلال ردها من تحقيق تأثير نفسي ولدرجة كبيرة سياسي يفوق الأثر العسكري البحت، ومع ذلك، هناك بالتأكيد رسالة عسكرية أيضاً وصلت إلى الكيان مع الصواريخ الإيرانية. ولكن سنكتفي في هذه المادة باستعراض بعض ردود الأفعال في إعلام الكيان التي تعكس الأثر النفسي، على الرغم من محاولات التغطية على هذا الجانب.
ذعر عام
انعكس الذعر في الكيان من خلال السلوك العام، بما في ذلك الاستهلاك المكثف للأخبار والذي يمكن لحظه من خلال العدد الهائل من المقالات والمواد التي نشرتها الجهات الإعلامية المختلفة في الكيان، والمليئة بالتحليلات، لا سيما تلك التي تحاول التخفيف من حالة الذعر من خلال إظهار الكيان على أنه متفوق عسكرياً، وأنه شلّ قدرة إيران على الرد، ولكن ما لم تستطع الجهات الإعلامية إخفاءه بالمحصلة؛ فقد كان الإقبال كبيراً جداً على الأسواق لتخزين الضروريات والأعداد الهائلة التي توجهت إلى الملاجئ والاستنفار بشكل عام.
نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الجمعة، 13 حزيران، مقالة ذكرت فيها، أنه بعد إطلاق العملية «حدّثت وزارة الصحة أرقام هواتف مراكز الصمود وأرقام الخطوط الساخنة لصناديق الصحة». وكانت وزارة الصحة في الكيان قد قامت بذلك قبل الرد الإيراني، حيث إنها توقعت الآثار النفسية على «الإسرائيليين»، وقامت بتذكير «كل من يحتاج إلى مساعدة نفسية بالتواصل مع مراكز الصمود ومراكز الطوارئ والدعم النفسي التابعة لصناديق الصحة». ونشرت معلومات حول مراكز الطوارئ والدعم النفسي على موقعها الإلكتروني. وذكرت المقالة «بأنه منذ بدء الهجوم على إيران، ازدادت بنسبة 500% طلبات المساعدة النفسية على خط المساعدة التابع لجمعية تقدم الدعم النفسي لضحايا الصدمات الناجمة عن الإرهاب والحرب. وأفاد المتصلون بنوبات قلق، وشعور بالوحدة، وخوف من عدم وجود مكان آمن، وطلب مرافقة عند دخولهم الثكنات العسكرية». ووفق المقالة، «أصدر مدير عام وزارة الصحة توجيهات لجميع المستشفيات برفع حالة التأهب القصوى، والانتقال إلى مناطق محمية، والنزول إلى مجمعات تحت الأرض محمية. ولن تُجري المستشفيات أي أنشطة خارجية أو غير عاجلة (اختيارية). ولن يُسمح بأي نشاط في عيادات صندوق الصحة أو مراكز توزيع الحليب، باستثناء الأنشطة الضرورية، مثل: غسيل الكلى». وأوردت المقالة قائمة من المراكز الطبية والتدابير التحضيرية التي اتخذتها، بما في ذلك إغلاق بعضها وإعداد بعضها لمرافق تحت الأرض.
وقامت عدة مقالات في الصحيفة ذاتها بوضع توجيهات للتحضير لعدد من الإشكالات المتوقعة وكيفية التعامل معها، ومنها مقالة ذكرت أن «شركات الاتصالات والمنظومة السيبرانية في حالة تأهب قصوى، مع تعزيزات سيبرانية وفرق ميدانية ومعدات أقمار صناعية، بهدف إبقاء إسرائيل متصلة حتى في ظل الهجوم» وذكرت المقالة، أن «وزارة الاتصالات وقيادة الأمن السيبراني تعمل على مدار الساعة لضمان استمرارية الخدمة في جميع الظروف». وفي مقالة أخرى تم نشر إجراءات احترازية وتوجيهات للتعامل مع «اضطرابات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي بدأت تظهر في جميع أنحاء البلاد مع بدء العمليات في إيران».
مقالة أخرى نشرها موقع «يديعوت أحرونوت» يوم الجمعة، 13 حزيران، ذكرت أن «إسرائيل أغلقت مجالها الجوي بالتزامن مع انطلاق العملية ضد البرنامج النووي الإيراني. وأُخلي مطار بن غوريون بالكامل، وأعلنت شركات الطيران إلغاء جميع الرحلات، وطُليت لوحة المغادرة باللون الأحمر». كل هذا ترك الآلاف من «الإسرائيليين» عالقين خارج الكيان، وعدداً منهم ذكر أن شركات الطيران لم تعطهم أي معلومات، وبعض الشركات أوصت العملاء في الخارج بالاستعداد لترتيبات الإقامة في أماكن تواجدهم حتى إشعار آخر، أو حتى تتغير الإرشادات الأمنية.
وفق مقالة أخرى في «يديعوت أحرونوت» يوم الجمعة الماضي، «أرسلت قيادة الجبهة الداخلية في الكيان تنبيهاً طارئاً إلى الهواتف الجوالة، تدعو فيه سكان إسرائيل للاستعداد لدخول المنطقة المحمية نظراً لتوقع صافرات الإنذار خلال دقائق، وأكد أحد المسؤولين أنه على الرغم من أن هجمات الجيش الإسرائيلي قد أثرت على سلوك إيران، إلا أن طهران لا تزال قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية». كما «دعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي... الإسرائيليين مساء اليوم (الجمعة) إلى الالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية، وحذّر من أنه على الرغم من أن إسرائيل ألحقت ضرراً بقدرات إيران، إلا أن الجمهورية الإسلامية لا تزال تمتلك القدرة على الرد... وإلحاق ضرر كبير بالجبهة الداخلية الإسرائيلية».
لم تقتصر حالة التأهب على التصريحات والإعلانات الرسمية، حيث إن حشوداً من «الإسرائيليين» تهافتت على المحال التجارية لشراء المواد الغذائية تحضيراً للرد الإيراني. تقول مقالة نشرتها «معاريف» يوم الجمعة الماضي، «امتدت طوابير طويلة منذ الصباح الباكر أمام محلات السوبر ماركت ومحلات الخضار والمخابز في منطقة تل أبيب، حيث وصل آلاف الأشخاص لتخزين الطعام والمياه المعبأة في زجاجات، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران». ووفق المقالة، يقول أحدهم، «ذهبتُ إلى السوبر ماركت... الساعة السادسة والنصف، صباحاً وظننتُ أنه لن يكون هناك أحد، لكن الطوابير كانت طويلة، فانتظرتُ حوالي نصف ساعة حتى وصلتُ إلى الكاشير ودفعتُ ثمن المشتريات. لم يكن الناس من حولي يعرفون ماذا يأخذون، وكان هناك من يأخذ الطعام والماء من أي مكان قريب، ليخزنه لأيام طويلة». ووفق المقالة ذاتها، «تم فتح الملاجئ، وتم تحويل محطات مترو الأنفاق للقطار الخفيف، والتي توقفت حركة المرور فيها، إلى ملاجئ».
زلزال رمزي/حقيقي
كانت الحركة غير الطبيعية للناس قد تسببت بتحذير خاطئ من احتمال وقوع زلزال، والذي حصل وفق مقالة نشرها موقع «معاريف» يوم الجمعة الماضي. وبحسب المقالة، «أُرسِل الإنذار الكاذب عبر نظام التنبيه المدمج في نظام أندرويد، والذي يعتمد على مستشعرات الحركة الموجودة في كل هاتف ذكي. هذا النظام، الذي يعمل في العديد من دول العالم، بما فيها إسرائيل، غير تابع لهيئة المساحة الجيولوجية، ولا يعتمد على محطات قياس الزلازل. بل يعتمد على تحليل حركة مئات الآلاف من الأجهزة في آنٍ واحد. عندما ترصد خوارزمية غوغل حركة مفاجئة للعديد من الأجهزة في آنٍ واحد ضمن دائرة بنصف قطر معين، فقد تستنتج– خطأً– أنه زلزال». في هذه الحالة، «اتضح أن صافرات الإنذار التي انطلقت في جميع أنحاء البلاد دفعت جموعاً من السكان إلى الاستيقاظ مذعورين والفرار إلى أماكن آمنة. ركض الكثيرون، أو نزلوا السلالم، أو فتحوا الأبواب، وتحركت هواتفهم في جيوبهم وأيديهم معهم في الوقت نفسه. ظنت خوارزمية غوغل أنها حركة زلزالية، فأرسلت تنبيهاً خاطئاً».
كما انتشرت عدة مقالات تذمر فيها «الإسرائيليون» من عدم تجاوب السلطة أو الجهات الرسمية معهم، ففي مقالة نشرها موقع «إسرائيل هيوم» يوم السبت، 14 حزيران، يتم تسليط الضوء على بعض ممن تضررت ممتلكاتهم، ولم تتجاوب الجهات الرسمية معهم ومع مطالبهم. ووفق المقالة، «زعمت العائلات التي تم إخلاؤها من المباني المتضررة... أنها تعاني من صعوبات وعدم اكتراث من جانب السلطات». وتقول سيدة أخرى، وفق المقالة، «منزلي مدمر بالكامل. أُبلغنا أمس أنهم سيخلوننا اليوم وسيتصلون بنا. لم يتصلوا، وليس لدينا مكان نذهب إليه... ليس لدينا مكان ننام فيه، ولا أحد يُبالي». وتقول أخرى عالقة خارج البلاد: إنها تعرف أن بيتها متضرر، ولكن لا أحد يتجاوب معها، ولديها تخوف من أن يذهب أحد وينهب البيت في حال لم يتم إغلاق الباب. وتقول أخرى، «جميع جيراننا هنا يبكون، وجميع من ترونه هنا لا يجدون مأوى. إنه لأمرٌ مُريع. أطلب منكم مساعدتنا... كل من ترونه هنا ليس لديه مكان ينام فيه، ولا مأوى، ولا دواء، ولا أحد يُبالي».
وبات صوت الإنذار الذي ترسله الجهات الرسمية للهواتف الجوالة مصدر قلق لهم، حيث نشرت مقالة على موقع «إسرائيل هيوم» في 14 حزيران تعليمات لتغيير صوت الإنذار في الهواتف الجوالة، لأنه «في بعض الأحيان يكون الصوت مجرد تحذير من حالة التأهب، وقد يضع المواطنين في حالة من القلق أو الذعر».
أبعاد إضافية
يناقش البعض محقاً، في أن سلوكيات الخوف والذعر التي يظهرها مجتمع المستوطنين «الإسرائيليين»، والتي يمكن لها أن تكون محل تندرٍ بالنسبة لشعوب المنطقة، هي تعبير عن درجة الرفاهية النسبية التي يعيشها ذلك المجتمع مقارنة بمجتمعاتنا؛ ابتداءً من تأمين الملاجئ و«الدعم النفسي» وليس انتهاءً بالدخول العالية مقارنةً بدخول شعوبنا.
مناقشة الموضوع من الزاوية السابقة محقة إلى حد غير قليل كما أشرنا، ولكنها لا تغطي أبعاده المختلفة؛ فمجتمع الاستيطان هو مجتمع قائم على ركيزتين أساسيتين: الدخول العالية (الرفاه الاقتصادي)، والأمن المطلق الداخلي المبني على ثقة كبيرة بالتفوق الكاسح للكيان بالمعنى العسكري والأمني على كل الدول المحيطة به حتى 2000 كم.
سقوط أي من هاتين الركيزتين يعني انهيار فكرة الاستيطان بأكملها؛ لأن المجتمعات الاستيطانية، حتى وإن عبرت جيلاً وجيلين وثلاثة أجيال، فإن ارتباطها بالأرض «الجديدة» يبقى ارتباطاً هشاً، خاصة في حال كانت البدائل موجودة دائماً، وهي كذلك بالنسبة للقسم الأعظم من المستوطنين عبر علاقاتهم ببلدانهم الأصلية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خاصة.
بكلامٍ آخر، فإن ما يظهر من رفاه نسبي، وتفوق نسبي، يحمل هو نفسه عنصراً معاكساً سلبياً من وجهة نظر أمن واستمرارية الكيان؛ فالتحوّل الذي يعيشه مجتمع المستوطنين خلال الأعوام القليلة الأخيرة، هو التحوّل من بلدٍ يمكنه أن يدخل حروباً قصيرة ساحقة، يكاد الداخل لا يشعر بها، إلى مجتمع يعيش حروباً طويلة الأمد، ولا نهائية، وتمس بشكل متعاظم كل جوانب الحياة، الاقتصادية والأمنية، وصولاً إلى المساس بالأمن الشخصي للأفراد... هكذا نوع من «المجتمعات» غير قادر على احتمال هكذا نوع من الحروب... خاصة بوجود البدائل... ما يجعل من الدخول في معارك استنزاف طويلة الأمد، أمراً شديد الوطأة بشكل غير متناسب ضد مصلحة المجتمعات «الاستيطانية»... ومثال الاستيطان الفرنسي في الجزائر وانهياره، ما يزال حاضراً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1230