شعب يجترح المعجزات
«سيعرف الناس أن البطل الذي يتفاخر الجميع به هو إنسان عادي، لماذا تريدون أن توهموا الناس أن البطل شيء من طينة غير طينتهم؟ دعوه يظهر كما هو، إنساناً عادياً، أتعرف ماذا سنستفيد؟ يكتشف الناس جميعاً أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالاً...» ممدوح عدوان
تجاوز الفلسطيني في غزة كل تعريفات البطولة وأشكالها. «حنظلة» الايقونة، والذي كان نتاج علاقة وثيقة بين ناجي العلي والمخيم، أراد له أن يكون شاهداً تتذكر من خلاله الأجيال المتعاقبة أن المخيم، أينما كان، هو حالة مؤقتة ويتذكر كل فلسطيني أن ثمة بلاد اسمها فلسطين، له فيها بيت وزيتونة، بيت يستحق العيش فيه مثل كل البشر. يخرج حنظلة من لوحة قضى فيها سنين، يتحرر ويتحرك ويبادر ويشارك في الحدث. نعرفه رغم أنه ما زال يدير لنا ظهره، نعرفه وندرك فعلاً ما أدرك، تختلس بعض الكاميرات له صوراً في أماكن متعددة من غزة، مرة يرتدي سترة صحفي ومرة يرتدي مئزراً أبيض.
يروي أهل غزة بعضاً من قصصهم ويوثقونها، قصص تشبه الأساطير، تجترح في بعضها المعجزات، بكل معنى الكلمة، يصنعها بشر مثلنا في ظروف لا يمكن أن يتحملها عقل. يحكي غزي من دير البلح ما حدث بعد قصـف منزله: «حملت طفلتي من تحت الركام وأسرعت بها إلى المشفى وكانت قد فقدت يدها اليسرى. هناك، وبعد المعاينة، سألني الطبيب أين يد الطفلة؟ هل بإمكانك إحضارها؟ اتصلت بأخي مباشرة وأخبرته بالضبط عن المكان الذي أخرجت منه طفلتي، ذهب أخي مع بعض الأشخاص وفعلاً وجد يدها وأحضرها بسرعة إلى المشفى. أجرى الطبيب عملية جراحية استغرقت منه 5 ساعات، تكللت بالنجاح وإعادة الطرف.
أما الطبيب، وهو متطوع من العراق، فقد أكد بعد يومين: «بعد مضي 48 ساعة تشير التقارير حتى اللحظة إلى التحسن، بانتظار زوال الالتهابات». يوثق فيديو مصور قصة أخرى، أطباء يقومون بعملية على ضوء موبايل! أما صورة الدكتور حسام أبو صفية والتي تناقلتها وسائل التواصل، عائداً إلى مرضاه، فقد أصبحت أيقونة.
لم تعد أفعال واستهدافات جيش الاحتلال «الأكثر أخلاقية في العالم» وقائعَ بحاجة إلى تحقيق. تزدحم مشاهد الفيديو والصور بعمليات التدمير وحفلات القتل والاعتقال...إلخ. استهدف الاحتلال القطاع الصحي، كغيره، بشكل متعمد، وأودى بحياة كثيرين واعتقال آخرين.
لم تسترح الكوادر الطبية العاملة هناك على مدى أشهر من الحرب، ولا تزال، على قلّة إمكاناتها ورغم أنها منهكة نتيجة ضغط العمل، تحاول تقديم الخدمات الصحية للجرحى والمصابين، وتتنقّل من مشفى إلى آخر. لا يكفي ما يتقاضاه العاملون فيها حاجة عوائلهم، وتعجز المؤسسات الدولية أمام وحشية الاحتلال وتحكّمه بالمعابر ومنع دخول المساعدات الطبية والغذائية.
يستبسل الناس دفاعاً عن حياتهم، يتحولون إلى أبطال، أبطال حقيقيين لأنهم من طينة الإنسان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1209