خطاب عنصري مرتفع يواجهه مد شعبي عالمي
تلقي قاسيون في ملفها هذا الضوء على مسألتين أساسيتين، الأولى: هي التحركات الشعبية الواسعة التي خرجت مؤخراً للتنديد بممارسات الاحتلال الصهيوني، والجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، ويلقي الملف الضوء على أبرز الاحتجاجات والتحديات التي واجهت منظميها، مثل: محاولات تجريمها وقمعها من قبل الحكومات المتواطئة مع واشنطن وسلطات الاحتلال. المسألة الثانية: هي التصاعد الملحوظ للخطاب العنصري من الصهاينة وبعض مناصريهم حول العالم.
لا يبدو أن الاهتمام بما يدور في الأراضي الفلسطينية المحتلة سينخفض قريباً، بل على العكس، فرغم كل محاولات التعتيم والتضليل يزداد مناصرو القضية الفلسطينية، وخصوصاً في الدول الغربية، التي باتت شعوبها تدرك أكثر من أيّ وقتِ مضى، أن «الخطاب الإنساني» لا يمكن فصله عن السياق السياسي والتاريخي لقضية فلسطين، وباتت تدرك أيضاً أن حكوماتها ضالعة بشكلٍ مباشر بتقديم الدعم لجيش الاحتلال.
هناك بلا شك رابط بين ارتفاع مستويات العنصرية في الخطاب الصهيوني، وما يقابله من ارتفاع في مستويات تأييد القضية الفلسطينية، لكن النظر إلى الموضوع من زاوية ثانية يمكن أن يكشف مسألة أخرى بالغة الأهمية، وهي: أن المسألتين اللتين يجري الحديث حولهما، هما بلا شك نتيجة طبيعية لأزمة كبرى يعاني منها الكيان وداعميه، وخصوصاً وواشنطن، فالتهديد الوجودي الذي استشعره الكيان، سبب مستويات قياسية من الضغط والتخبط، مهدت الأرضية لخروج درجات غير مسبوقة من العنصرية إلى العلن، فرغم أن هذا الخطاب كان صفة ملازمة للحركة الصهيونية منذ نشأتها، إلا أنه ظل بعيداً عن الأضواء والمنابر الرسمية في مقابل ترويج كاذب لأفكار، مثل: «ديمقراطية إسرائيل» و«التآخي مع الفلسطينيين» أما اليوم، وبعد أن أصبح وجود الكيان بحد ذاته موضوعاً على طاولة البحث، لم يعد بالإمكان ضبط الخطاب أكثر من ذلك، بل يبدو أن بعض قادة الكيان يرون أن رفع مستويات العنصرية في الخطاب يمكن أن يزيد من تماسك «مجتمع المستوطنين» الهش. من جهة أخرى، لم يعد بإمكان الكيان وواشنطن التحكم بطبيعة الضخ الإعلامي المؤيد للقضية الفلسطينية، والذي بات عاملاً مؤثراً في مواقف عدد كبير من شعوب الدول الغربية، التي كانت سابقاً بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل كانت المجتمعات الغربية أقرب لتصديق الرواية الصهيونية المهيمنة على وسائل الإعلام في حينه، لكن الوضع اليوم اختلف، فخروج أكثر من 100 ألف متظاهر في شوارع لندن، الداعم التاريخي الأول للكيان، يدل على حجم التغيرات الجارية، ويدل أيضاً أن إمكانية الدعم الغربي للكيان لم تعد متاحة كالسابق، وخصوصاً، أن ما يجري في الأراضي المحتلة اليوم، تحوّل إلى نقطة تجاذب جديدة في المواجهة على المستوى العالمي، وظهرت الاصطفافات بين قوى العالم الجديد، مثل: روسيا والصين مقابل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، لكن المشكلة هذه المرة أن المواجهات في الشرق الأوسط هي واحدة من عدد كبير من المواجهات على المستوى العالمي، والموارد الغربية أصبحت أقل وغير قادرة على تغطية كامل المشهد.
ماذا يقولون عن الفلسطينيين؟
نورد فيما يلي بعضاً من المواقف العنصرية والمتطرفة التي أعلنها مسؤولون في الكيان الصهيوني، وبعض الشخصيات الأخرى الداعمة له في أماكن أخرى من العالم.
المسؤولون من الكيان
وزير دفاع الكيان، قال في تصريحات له بعد ثلاثة أيام من بدء عملية «طوفان الأقصى» بقيادة حركة «حماس»، وتحديداً في 10 تشرين الأول: «نحن نفرض حصاراً كاملاً على مدينة غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس». وفي تصريحٍ آخر في ذات اليوم قال: «لقد رأيتم ما نقاتل ضده. نحن نقاتل ضد حيوانات بشرية. هذه هي داعش غزة.. غزة لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً. سنقضي على كل شيء... سنصل إلى كل الأماكن... نفهم أن حماس أرادت تغيير الوضع؛ سوف تتغير الأمور 180 درجة وسوف يندمون على هذه اللحظة».
ورد في تغريدة لحساب اسمه «غرفة الحرب الإسرائيلية» والتي يبدو أنها مرتبطة بوزارة دفاع الكيان: «وفقاً للجيش الإسرائيلي، تم إجلاء حوالي 700 ألف من السكان من مدينة غزة وشمال قطاع غزة. وبذلت إسرائيل كل ما في وسعها لإجلاء السكان المدنيين من شمال القطاع».
وفي تغريدة أخرى قال ذات الحساب: «يعتقد أن مخبأ قيادة حماس يقع تحت مستشفى الشفاء في غزة، والذي من المرجح أن يكون هدفاً رئيسياً لإسرائيل (ربما عن طريق القوات الخاصة)».
وفق إحدى الجهات الإعلامية، قال وزير الاقتصاد للكيان: إن الرهائن والإصابات في صفوف المدنيين ستكون ثانوية بالنسبة لأولوية تدمير حماس، وأن شبكة أنفاقها ستصبح «أكبر مقبرة في العالم».
مسؤولو دول أخرى وشخصيات بارزة
كتب توم كوتون عضو مجلس النواب الأمريكي في تغريدة له: «إرسال المال إلى غزة هو إرسال المال إلى حماس»، وفي تغريدة أخرى قال: «ولنكن واضحين: في ظل الظروف الحالية، فإن «المساعدات الإنسانية لغزة» تعني إعادة إمداد حماس»، وفي تغريدة أخرى قال، مبرراً قصف المرافق المدنية: «إذا كانت حماس لا تريد قصف المستشفيات أو المدارس أو المساجد، فلا ينبغي لها أن تستخدمها لشن هجمات إرهابية على إسرائيل».
كتب بريان ماست، عضو آخر في مجلس النواب الأمريكي: «الحقائق هي الحقائق: حماس ستفوز بالانتخابات الشعبية في غزة لو أجريت اليوم. لذا فإن القول بأن غالبية الفلسطينيين لا يتعاطفون على الأقل مع قيم وأهداف حماس ليس صحيحاً».
رئيس وزراء التشيك قال في تغريدة له: «لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها بعد الهجمات الإرهابية الوحشية التي تنفذها حماس. إن دعم إسرائيل في هذا الوضع هو الموقف الوحيد الممكن والصحيح. ومن ناحية أخرى، فإن دعم المنظمات الإرهابية التي تعترف باستخدام المدنيين كدروع بشرية أمر غير مقبول. وجمهورية التشيك تقف إلى جانب إسرائيل».
جوردان بيتيرسون، كاتب وعالم نفس كندي، يخصص معظم تغريداته منذ 7 تشرين الأول لمهاجمة أي جهة تظهر تعاطفاً مع فلسطين، وتندد بـ «إسرائيل» وبالأخص الجهات اليسارية، يقول في تغريدة له موجهة لرئيس وزراء الكيان في 7 تشرين الأول: «أعطهم الجحيم يا نتنياهو، كفى».
أما ريتشارد مادلي، وهو مقدم برنامج صباحي في بريطانيا، في مقابلة حول ما يحصل في غزة، قارن فلسطين بألمانيا النازية، ثم قال: إن جميع الأطفال الذين قتلوا كانوا أضراراً جانبية لغزو ضروري، أو كما قال: «شر لا بد منه».
أمثلة أخرى
شخص يعرف بنفسه كيهودي وصهيوني، كتب في تغريدة له: «إذا سحقت إسرائيل جميع أعدائها بلا رحمة، فسوف يكون هناك سلام مع المزيد من الدول العربية. وإذا أظهرت إسرائيل رحمة في غير محلها، فلن تكون هناك نهاية للهجمات الجديدة. هذا هو قانون الشرق الأوسط. العرب يحترمون القوة والشرف، وليس الجبن».
ايريل ديفيدسون وهي محامية يهودية في أمريكا، تقول في تغريدة رداً على عضوة مجلس النواب الأمريكي، إلهان عمر، الداعية إلى وقف الحرب ووقف إطلاق النار: ««التضامن والمحبة» لم يهزما داعش أو النازيين؛ الدمار الشامل قام بذلك».
يقول الدكتور الجامعي ويلفريد رايلي في تغريدة: «بعد فظائع 7 تشرين الأول، لو كنت صانع قرار إسرائيلي لقضيت على حماس بالكامل. وفي هذا السياق، فإنني لا أستطيع أن أذرف دموع التماسيح الهستيرية بشأن آثار الحرب على مدنيي الدولة التي بدأتها».
أحد الشخصيات العامة (لحد ما) في بريطانيا كتب في تغريدة: «إن المساعدات الإنسانية إلى غزة هي مضيعة للوقت والمال. حماس ستأخذ كل شيء. إن غزة بحاجة إلى أن يتم تسويتها بالأرض، وقبول الأضرار الجانبية، ووضع هذا الصراع جانباً الآن. إن مطالبة زعماء العالم بضبط النفس ليست سوى إشارة إلى الفضيلة؛ إن تدمير غزة هو الحل الوحيد لهذه المشكلة. سهل هكذا. النصر لإسرائيل».
ممارسات معلنة أخرى
حتى إعلام الكيان لا ينكر بعض الممارسات، مثل: إنذار المشافي من قبل جيش الاحتلال، حيث ورد في مقالة في «تايمز أوف إسرائيل» في 20 تشرين الأول، خبر عن تلقي مشفى القدس في شمال غزة إنذاراً لإخلاء المشفى: «قال الهلال الأحمر الفلسطيني: إن الجيش الإسرائيلي أبلغ مستشفى القدس في شمال غزة بوجوب إخلاء المستشفى، على ما يبدو قبل غارة وشيكة تستهدف المركز الطبي أو المنطقة المحيطة به». وهذه لم تكن المرة الأولى، حيث جاء خبر في ذات المصدر في مساء 13 تشرين الأول، قال: «قالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها: إن الجيش الإسرائيلي حذّر مستشفى العودة في شمال قطاع غزة من الإخلاء بحلول الساعة السادسة صباحاً. ويشير التحذير إلى أن إسرائيل تخطط لحملة واسعة النطاق في شمال القطاع خلال الساعات المقبلة». وكان في ذات اليوم قد أنذر جيش الاحتلال سكان شمال غزة – حوالي 1 مليون– لإخلاء المنطقة خلال 24 ساعة، الأمر الذي استنكرته وكالات الأمم المتحدة وبالتحديد الأونروا، واصفة «دعوة إسرائيل لنقل أكثر من مليون مدني في شمال قطاع غزة خلال 24 ساعة بأنها «مروعة» وقالت: إن القطاع يتحول بسرعة إلى «حفرة جهنم»».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1145