ملاحظات حول مشروع البرنامج
وردت في العدد الماضي من قاسيون، وفي مادة «ملاحظات من السويداء» على مشروع البرنامج، عدة نقاط يمكن التفاعل معها بشكل أكبر والبحث بالتساؤلات التي طرحتها بشيء من التفصيل؛ وهنا محاولة للقيام بذلك...
وردت الملاحظة الأولى بصيغة تساؤل عن خطر الإسلام السياسي بعد تعرض نموذجه أي «الإخوان المسلمين» لعدة ضربات وتراجعات خلال السنوات الماضية؛ حيث تم ذكره كعباءة أيديولوجية جديدة ضمن منطقة الشرق العظيم بشكل خاص كغطاء وحامل للمشروع النيوليرالي الذي يهدف إلى تنفيس أزمة المركز الإمبريالي عبر تصديرها إلى الأطراف وخاصة منطقتنا، والهدف هو ضرب وتفتيت الدول وتدمير القوى المنتجة فعلياً.
برأيي، فإنّ الخطر ما يزال قائماً، حتى وإنْ تراجع؛ فالصراع لم يحسم بعد، وعناصره لا تزال من حيث الجوهر هي نفسها. أكثر من ذلك، فإنّ اللحظات الفارقة ضمن الصراع هي تلك التي تسبق التحولات والنقلات النوعية ضمنه، ونحن نعيش في لحظة من هذا النوع؛ لحظة تجري ضمنها إعادة ترتيب شاملة، تحاول العناصر الرجعية ضمنها تكثيف قواها وتوحيدها باستخدام مختلف أنواع العباءات الأيديولوجية المتوفرة في جعبتها، حتى وإنْ كانت متناقضة أشد التناقض...
على سبيل المثال، فإنّ المركز الغربي يسعى سعياً محموماً خلال السنوات الأخيرة لتوسيع الهجوم الخلوي على بنية المجتمعات وثقافتها، وأبرز وسائله الراهنة موضوع «المثلية الجنسية»، والتي قد تبدو من حيث الشكل متعارضة حد التناقض مع «الإسلام السياسي». مع ذلك، فإنّ القوى المحسوبة على الإسلام السياسي تغمض عينيها تماماً عن سياسات الغرب هذه وتستمر باعتبار الولايات المتحدة حليفها الأساسي وتسير ضمن مخططاتها وتوافق عليها على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، بحيث تبدو مواقفها مجرد تكرار ببغائي للمواقف الغربية.
هذا الأمر الواضح، يضيف إلى مهمات الشيوعيين السوريين مهمات إضافية، بينها فضح هذه التيارات التي تدعي حرصها على «ثقافة المجتمع وتقاليده» في حين أنها تحارب تلك الثقافة فعلياً وتسعى لتقويض قدرة تلك الثقافة على مقاومة الغرب عبر تحويلها إلى أشكال من التطرف والتخلف والتعصب، وظيفتها هي بالضبط فتح الطريق أمام الأفكار النيوليبرالية؛ فالانحلال الثقافي والأخلاقي، والتعصب والتخلف الثقافي والأخلاقي، هما نقيضان في وحدة، لا يمكن لأي منهما أن يعيش دون الآخر، بل ويتغذى منه بشكل مباشر ويعزز وجوده...
حول «منظمات المجتمع المدني»
لا يجوز اتخاذ موقف جامد وقطعي من كامل ظاهرة منظمات المجتمع المدني؛ بل ينبغي معالجة القضية بحركتها وتطورها؛ بمعنى أن ما يسمى «منظمات مجتمع مدني» أو «منظمات غير حكومية» ليست كياناً واحداً منسجماً وذا اتجاه واضح وثابت.
من الصحيح أنّ دور الممولين، والغربيين خاصة، هو دور حاسم في قولبة وتأطير هذه المنظمات وعملها كيما يصب في البرامج الغربية نفسها، إلا أنّ ذلك ليس حكماً قطعياً نهائياً بأنّ هذه المنظمات ستلعب في المستقبل القريب دوراً سلبياً بالضرورة؛ أولاً: التوازنات الدولية في حالة حركة مستمرة وسريعة، والغرب الذي يمول اليوم لن يكون قادراً على الاستمرار بالتمويل، على الأقل لن يكون قادراً على التمويل بالقدر نفسه، وهذا ليس تخميناً مستقبلياً، بل أمراً واقعاً حدث فعلاً، وأكثر من يعرف به هم المشتغلون ضمن هذه المنظمات، والذين يرون تراجع التمويل سنة وراء سنة.
ثانياً: هنالك قسم كبير من الشبان والشابات المشتغلين في هذه المنظمات، ممن لديهم آراء نقدية جدية اتجاه تلك المنظمات، لكنهم يتعاملون معها بوصفها عملاً يعيشون منه، خاصة مع حالة الشلل الاقتصادي والفقر المدقع، ولذا فإنه مع التحولات القادمة، ومع تغير الأوضاع الاقتصادية، ينبغي توقع حركة واسعة داخل وخارج هذه المنظمات، بما في ذلك في الآراء والتوجهات، وبشكل الممارسة الفعلي لتلك الآراء...وهذا بطبيعة الحال، لا ينبغي أن يتعارض مع التوصيف المبدئي والعلمي للظاهرة..
تعدد الأقطاب والصراع العالمي الحالي
الانطلاق من فهم حقيقي وعلمي لطبيعة الصراع الحالي من الصحيح أنّ الصراع العالمي الحالي يأخذ شكل صراع بين دول واستقطاب مؤقت بين «معسكرين» أو قطبين «دوليين»، ولكن هذا ليس أكثر من القشرة الخارجية؛ فكما هو وارد في مشروع البرنامج فإنّ فهم هذا الصراع يتطلب فهم مجموعة عوامل:
طبيعة الاصطفافات الدولية والقوى المتصارعة، مع فهم انعكاس هذا الصراع ضمن هذه الدول نفسها،
والفرز الجاري في كل دولة بين فضاء قديم وفضاء سياسي جديد قيد التشكل.
تشكيل منظومة عالمية قائمة على التعاون والتوازن في العلاقات الدولية حكماً ستسمح بتطور مختلف هذه الدول بالمعنى السياسي والاقتصادي الاجتماعي.
ولكن أيضاً، فإنّ المهام المطروحة على جدول الأعمال العالمية كضرب هيمنة الدولار – تفكيك الأحلاف العسكرية مثل الناتو – إعادة بناء نظام عالمي مالي وسياسي جديد... هذه المهام نفسها، لن تنجز انطلاقاً من الشكل الحالي للدول، وهنا يكمن أحد عناصر قوة مشروع البرنامج من خلال عدم الوقوع في الميكانيكية في فهم التوازن الدولي، أي عدم التعامل مع روسيا مثلاً، بوصفها روسيا الحالية وفقط، بل وأيضاً روسيا الكامنة والتي يحركها الصراع نفسه باتجاهات مختلفة تماماً، ربما حتى عن إرادة ورغبة قسم هام ممن يمسكون الدفة فيها.
هذه القوى التي ستقوم بتنفيذ هذه المهام ستجد أو ستقوم بصنع المعبر السياسي لها مع ما يرافقه من تغييرات داخلية...
أما النظر لكل هذه التغيرات باعتبارها خطوات منتظمة ومرسومة وجاهزة، وكأن التاريخ والثورة (مستقيم مثل جادة نيفسكي- وهي الطريقة التي كان لينين يسخر عبرها من هذا الرأي) فهو تبسيط سيتعثر عند كل نقطة تحول نوعية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1132