هل يمكن فصل ما يجري في فرنسا عن موجات الاحتجاج السابقة؟
تشهد فرنسا موجودة جديدة من الاحتجاجات، إذ تحرك الشارع في الأيام الخمسة الماضية، وحدثت اضطرابات واسعة في عدد من المدن على إثر مقتل مراهق على يد شرطي، وبالرغم من أن الأنباء تشير إلى أن وتيرة هذه الاحتجاج قد بدأت تنخفض، إلا أن السياق الذي تتطور فيه الأمور في فرنسا يقول: إن الهدوء إن حصل فعلاً، سيكون مؤقتاً!
أوقفت شرطة السير، يوم الثلاثاء الماضي 27 من شهر حزيران الماضي، شاباً من أصول جزائرية يدعى نائل المرزوقي، وكان التوقيف بغرض التدقيق معه، إلا أنه، وحسب ادعاء الشرطة، لم ينصع للأوامر ما دفع الشرطي لإطلاق رصاصة استقرت في صدر الشاب ذو 17 عاماً.
ارتدادات فورية!
لم يمر وقتٌ كثير قبل أن تحول مقتل الشاب إلى محرك جديد للاحتجاجات في فرنسا، وتحديداً في المناطق المهمشة التي عانت لعقود طويلة من التمييز، وسياسات محددة أدت إلى تراكم المشكلات التي انفجرت لمرات عديدة سابقاً. الاحتجاجات تحولت لأعمال شغب واسعة النطاق، وتحديداً بعد القمع الشديد الذي تعرضت له من أجهزة الأمن الفرنسية. إذ لجأت السلطات الفرنسية إلى تعبئة 45 ألف عنصر من قوات الشرطة والدرك، توزّع سبعة آلاف منهم في باريس وضواحيها المجاورة، وحسب ما بينت الأنباء المتداولة أن فرنسا سجلت 2560 حريقاً أثناء هذه الاحتجاجات، شملت مبانٍ وسيارات، وتعرضت مخافر الشرطة ونقاط للدرك لهجمات متكررة في الأيام السابقة، وأعلنت السلطات عن اعتقالات تجاوزت 1300 معتقلاً، ووصلت نسبة القاصرين ضمنهم أكثر من 30%.
سلوك متوقع
لم يكن مستغرباً تعاطي السلطات الفرنسية مع الاحتجاجات التي خرجت استنكاراً لهذه الجريمة، لكن سرعة التدخل الأمني لاحتواء الموقف لم تنسجم مع التحركات السياسية، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ندد خلال اجتماع خلية الأزمة في وزارة الداخلية الذي ترأسه شخصياً، بـ «الاستغلال غير المقبول» لمقتل الشاب على يد الشرطة بالعاصمة باريس. وتوعّد الرئيس مواجهة الاضطرابات، وأشار إلى «وجود جماعات متطرفة ومنظمة في صفوف المتظاهرين» وأوعز ماكرون إلى منصات التواصل الاجتماعي لتقوم بحذف لقطات الشغب من صفحاتها، وتبلغ السلطات الرسمية عن هوية المستخدمين.
في سياق متصل، أثارت تصريحات وزير العدل الفرنسي ايريك موريتي الكثير من الجدل، فقد قال الوزير: إنه «يجب أن نذكر الآباء لتطبيق سلطتهم الأبوية» وحدد موريتي طريقتين لذلك، الأولى: أن يقوموا بواجبهم كآباء معتبراً أن نقص التربية ليس مسؤولية الدولة! وأضاف بلهجة لا تخلو من التهديد، أن تقاعس الآباء عن تأدية دورهم «الأبوي» هذا، قد يعرضهم للسجن لمدة عامين نافذين وغرامة تصل إلى 30 ألف يورو! ولم ينس الوزير أن يتوجه إلى الشبان ويذكرهم بأنه لا يمكنهم الاختباء وراء شاشات هواتفهم المنقولة، فالسلطة قادرة على إيجادهم ومحاسبتهم!
الخطاب الرسمي للسلطات الفرنسية لم يحمل فكرة جديدة! فكان المسؤول الوحيد دائماً عن حالة عدم الاستقرار والتهميش التي تعيشها شرائح واسعة من الفرنسيين ذوي الأصول الإفريقية هم المهمشون أنفسهم، وذلك بالطبع بحسب رواية السلطة المكرورة! التي لم تتحمل مسؤوليتها أبداً اتجاه هذه الفئات، التي تبرهن كل الأرقام أنها الشرائح الأكثر فقراً، والأقل تعليماً، وهو ما تتحمل الدولة مسؤوليته قبل أي أحدٍ آخر.
ماذا تريد الأصوات الناشزة؟
اعتبر أحد السياسيين الفرنسيين أن ما تعيشه البلاد يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية، مؤكداً أن المواجهات بين السكان وأجهزة الدولة يمكن أن تتطور بسرعة، ورد جذر المشكلة إلى أن سياسات الهجرة التي اتبعتها فرنسا كانت خاطئة، أي أنه يحمل المهاجرين مسؤولية ما يجري، وهو بالضبط المخرج الوحيد الذي أعده النظام الفرنسي للتعامل مع الحركة الاحتجاجية في البلاد. فما يجري اليوم لا يمكن فصله عن كل الحركة الاحتجاجية في فرنسا في السنوات الماضية، والتي أخذت شكل احتجاجات عمالية منظمة، ثم تطورت الحركة المطلبية بشكل تدريجي، لتبدأ بصياغة شعارات سياسية. وهو ما يعبّر عن وجود خلل في توزيع الثروة يدفع ضريبته العمال والمهمشون الفرنسيون، ويبدو أن المنظومة القائمة في فرنسا تدرك أن حجم المواجهة القادم لن يكون من السهل احتواؤه، لذلك يبدو الضخ الإعلامي كلّه موجهاً لفصل ما يجري حالياً عمّا جرى سابقاً، في محاولة لتحويل الأنظار عن جوهر المشكلة وقسم المجتمع بين «مهاجرين» و«فرنسيين»، بدل أن يكون بين منهوبين وناهبين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1129