حملة الصين... ومؤشر جديد على العزلة الأمريكية
رغم حملة التزوير الإعلامي الغربي التي رافقت اجتماع الأمم المتحدة الأخير لحقوق الإنسان، والتي حاول الإعلام المعادي للصين تضخيم نتائجها من خلال القول: إن «40 دولة طالبت الصين باحترام حقوق الإنسان للإيغور الصينيين»، بدا من الصعب هذه المرة التغطية على حالة البؤس الغربي التي عجزت عن إتمام حملة إعلامية متكاملة مناهضة للعدو، ومقنعة للجمهور في آن واحد، بما يعكسه ذلك من تضاؤل عام حتى في الوزن الإعلامي الغربي.
بعد أن تكررت اللازمة المذكورة سابقاً حول عدد الدول التي طالبت الصين «باحترام حقوق الإنسان»، وتوازيها مع الدعاية الغربية حول «اضطهاد الصين لحقوق المسلمين الإيغور»، لم تدعم أية دولة ذات أغلبية مسلمة المبادرة الأمريكية في الأمم المتحدة، وفشلت كل جهود واشنطن في إقناع حلفائها التقليديين من الدول ذات الأغلبية المسلمة. وعلى العكس من ذلك، قامت العديد من هذه الدول بمساعدة الصين. وهذا يشمل باكستان وإيران والعراق والكويت وقطر والإمارات والسعودية. وحتى الدول التي لديها نزاعات إقليمية مستمرة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، ولها تاريخ طويل من التوترات المشتركة، بما في ذلك فيتنام والفلبين، دعمت بكين في وجه المحاولة الأمريكية.
حتى الهند، وعلى الرغم من كونها عضواً في المشروع «الرباعي» المناهض للصين بقيادة واشنطن، فقد امتنعت عن التوقيع على البيان، كما فعل عدد كبير من الدول الأخرى التي تحاول بعناية إعادة توجيه نفسها مع انتقال مركز ثقل القوة العالمية من الغرب إلى الشرق. وهذا يشمل تركيا (الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي- الناتو) والتي كانت لعقود عديدة خادماً أميناً للهيمنة الغربية.
فقد الغرب وبشكل غير مسبوق القدرة على الترهيب وكذلك القدرة على الترغيب ما دفع دول عدة إما إلى دعم الصين علانية أو تجنب اتخاذ موقف كلياً
ليس هنالك من مجيب
هناك ثلاثة أسباب رئيسية لعدم اهتمام غالبية العالم بهذه الحملة الدعائية المعادية للصين بقيادة الولايات المتحدة.
أولاً: وهو الأهم، أن هذه الحملة الدعائية التي تقودها الولايات المتحدة تستند إلى مزاعم ملفقة، تدرك العديد من الدول التاريخ الطويل لواشنطن في حياكتها. وفي الوقت ذاته، تعرف هذه الدول أن الصين واجهت مشكلة إرهابية جدية للغاية في شينجيانغ، وتصوِّر الحملة الدعائية الحالية التي تقودها الولايات المتحدة-والتي تستهدف الصين- التدابير الأمنية وحملات مكافحة الإرهاب على أنها «انتهاكات لحقوق الإنسان» وهو سلوك بات تقليدياً بالنسبة للإعلام الغربي. والأسوأ من ذلك، هو وجود أدلة موثقة تكشف حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا وراء دعم تطرف بعض التنظيمات المسلحة في شينجيانغ.
وفي هذا السياق، اعتبرت العديد من الدول التي قررت عدم التوقيع على البيان، أنه من خلال دعم الحملة الأمريكية ضد الصين، فإنها تكون قد دعمت التدخل الذي يمكن أن ينقلب عليها يوماً ما. حيث قائمة الدول التي دمرتها الولايات المتحدة وشركاؤها في القرن الحادي والعشرين وحده طويلة إلى حد كبير وما زالت تتزايد.
ثانياً: تفتقر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون- اليوم بوضوح- إلى القدرة على إجبار الدول غير المهتمة وإرغامها على دعم حملتها الدعائية المستمرة ضد الصين. حيث فقد الغرب، وبشكل غير مسبوق، القدرة على الترهيب وكذلك القدرة على الترغيب، ما دفع دول عدة إما إلى دعم الصين علانية، أو تجنب اتخاذ موقف كلياً.
السبب الثالث: يعود إلى صعود الصين. حيث تعتمد إستراتيجيتها في العلاقات الدولية على العلاقات الاقتصادية والمنافع المتبادلة بدلاً من القوة العسكرية، أو التدخل السياسي، أو الإستراتيجيات الأخرى التي تندرج تحت عنوان «القوة الناعمة» للغرب. حيث تعمل مشروعات البنية التحتية والاستثمارات والسياحة والتجارة التي تقودها الصين في جميع أنحاء العالم على تعزيز اقتصادات الدول الراغبة في العمل مع الصين بطرق لا يستطيع الغرب منافستها لا حالياً ولا في المدى المنظور.
ذروة الدعاية... ذروة الفشل
تأتي هذه الخطوة الأخيرة في الأمم المتحدة بوصفها «ذروة» الحملة الدعائية المعادية للصين في واشنطن. ومع هذه الخطوة التي توضح مدى ضآلة اهتمام العالم بها، ومع وجود العديد من الأكاذيب المكشوفة التي بنيت عليها الحملة نفسها، فإنها ستفقد المزيد من الزخم مع مرور الوقت. ومع تقدم الصين في عملية إعادة اندماج هونج كونج مع البر الرئيسي بعد إخماد الاضطرابات التي تمولها الولايات المتحدة هناك، وكذلك إزاحة المحرضين المدعومين من الولايات المتحدة في أماكن، مثل: التبت، عبر التقدم بالمبادرات الاقتصادية التكاملية في القارة الآسيوية، لم يبق للولايات المتحدة سوى ابتكار قصص جديدة لمهاجمة الصين، وربما بتنا على مشارف المرحلة التي تسلك فيها الولايات المتحدة سلوك الإمبراطوريات الاستعمارية الآخذة بالزوال، كما كان الخطابان الفرنسي والبريطاني في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وطالما ظلت الصين ملتزمة بإستراتيجيتها الحالية المتمثلة في تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي للعالم، في مواجهة عدوانية الولايات المتحدة وإكراهها للدول ذات السيادة، فإن مصير القوة الدعائية الغربية التي تعودنا على تفوقها خلال أكثر من خمسين عاماً، سيكون مماثلاً لمصير القوة الغربية السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية المتدهورة. وفقط عندما تكون الولايات المتحدة وما تبقى من حلفائها على استعداد للانعطاف نحو ما يتحول إليه العالم فعلياً، بدلاً من الطريقة التي يتمنون بها العالم، ستبدأ (مثل أية دولة أخرى) بالتمتع بمزايا العالم الجديد، حيث إن السيادة والتقدم الاقتصادي المدعومين بميزان دولي أكثر إنصافاً للدول، سيحل محل سعي الغرب الدائم والمدمّر إلى الحفاظ على هيمنة عالمية لا يمكن الحفاظ عليها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 989