افتتاحية قاسيون| لماذا «التغيير الجذري الشامل»؟

افتتاحية قاسيون| لماذا «التغيير الجذري الشامل»؟

طرح حزب الإرادة الشعبية منذ عام 2011 شعاره في «التغيير الجذري الشامل» كحل لا بديل عنه للخروج من الأزمة السورية العميقة، والتي لم نشهد في 15/3/2011 سوى انفجارها، في حين أن تراكمها امتد عقوداً قبل ذلك، وتسارع بشكل كارثي مع بدء تطبيق ما سمي «اقتصاد السوق الاجتماعي» عام 2005، والذي رفع نسب الفقر والبطالة بشكل قياسي وضمن فترة قصيرة، واضعاً أساساً متيناً لانفجار مزلزل.

إنّ حزمة الإجراءات الإنقاذية، على الصعد الاقتصادية-الاجتماعية والديمقراطية والوطنية، التي اقترحها حزب الإرادة الشعبية في بيان نشره يوم 25 شباط 2011، (وكان في حينه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين)، لا تزال صالحة بمعظم بنودها، ولا تزال مطلوبة من حيث الجوهر، وبينها كان مطلب تأميم شركتي الاتصال الخليوي.

حزمة الإجراءات هذه، والتي كانت ضرورة وطنية في شباط 2011، لا تزال كذلك. لكن لأنها لم تنفذ في حينه، بالإضافة إلى عدم تطبيق التوصيات الثمانية عشر للقاء تموز التشاوري 2011، وما تخلل ذلك وتلاه من فرص ضائعة عديدة ومن عنف وقمع وتدخلات خارجية، كل ذلك نقل الأزمة السورية من إطارها المحلي إلى الإقليمي فالدولي، وباتت استعادة مركز القرار إلى الداخل السوري مدخلاً لا بد منه ليس للعودة إلى ما قبل 2011، بل لحل جذور المشكلات التي أدت إلى 2011. وفي هذا الإطار بالذات تأتي أهمية القرار 2254 الذي لا يقول بالحل السياسي فحسب، بل وبحل يقرره السوريون بأنفسهم.

إنّ المشكلات الكبرى التي تراكمت في سورية عبر عقود كانت قابلة للحل بالتجزئة أي بالإصلاح قبل 2011، ولكن تراكمها الهائل ووصولها إلى الانفجار، أغلق أبواب الإصلاح وفتح أبواب التغيير؛ فأي بنية سياسية يمكنها أن تبقى مستمرة فترة من الزمن إذا خضعت إلى إصلاحات بشكل دوري، ولكن حين تغيب تلك الإصلاحات وتستمر المشاكل بالتراكم، فإنّ ذلك يعني أنّ العمر التاريخي لهذه المنظومة قد انتهى، لأنها فقدت قدرتها على أداء وظيفتها التاريخية.

ليس المقصود بالبنية السياسية منتهية الصلاحية تلك البنية المتحكمة بمفاصل الدولة فحسب، بل وأيضاً البنية السائدة شكلياً في أوساط المعارضة؛ وبكلمة واحدة فإنّ فضاءً سياسياً كاملاً قد دخل طور التماوت، في حين أن الفضاء السياسي الجديد لا يزال في طور التشكل. وأولى علامات تشكل الفضاء السياسي الجديد، هي نزول الناس محتجة إلى الشوارع ومعبرة بذلك عن انفكاكها عن الفضاء السياسي القديم.

فحين تتراكم المظالم دون حلول، وحين يتحول الفساد الكبير من ظاهرة محدودة إلى ظاهرة مستعصية ومستوطنة ومسيطرة على كل المفاصل بما في ذلك أجزاء أساسية من منظومة القوة داخل جهاز الدولة، فإنّ الإصلاح يتحول إلى عملية تجميلية غير قادرة على تحقيق أي نتائج حقيقية. والوضع في سورية كذلك وأكثر.

إنّ التغيير الجذري الشامل الذي يشمل بنية جهاز الدولة وعلاقته بالمجتمع، وكذلك كل ما له علاقة بتنظيم حياة المجتمع سياسياً ومدنياً وبما يتناسب مع الضرورات الموضوعية الجديدة، هو الاتجاه الحتمي الذي ستسير وفقه سورية نحو استعادة سيادتها الوطنية، أي سيادة شعبها، وعبر المدخل المهم المتمثل بالقرار 2254 والذي يمكن تكثيفه في مسألتين: إنهاء التدخلات الخارجية، تهيئة الظروف للسوريين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم، وفي مختلف القضايا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
967