افتتاحية قاسيون| من يعطل الحل السياسي وكيف؟

افتتاحية قاسيون| من يعطل الحل السياسي وكيف؟

جرت العادة أن تتكثف محاولات التخريب والتصعيد مع كل خطوة يجري إنجازها باتجاه الحل السياسي؛ وهو أمر مفهوم ومتوقع دائماً، تمارسه تلك القوى التي لا مصلحة لها في الحل، ومن كل الجهات.

الجديد هذه الأيام، هو تراكب مسألتين في وقت واحد؛ الأولى هي أنّ مستوى التخريب «المطلوب» هو مستوى غير مسبوق في الارتفاع والضراوة. لأن «المنطق» يقول إنّ ضراوة التخريب يجب أن تتناسب مع ارتفاع أهمية الخطوة الجديدة على طريق الحل السياسي، فكيف بمستوى تلك الضراوة والبلاد تقترب من خطوة، ليست جديدة فحسب، بل وحاسمة باتجاه التنفيذ الكامل للقرار 2254؟ المسألة الثانية هي أنّ قدرة المخربين على التخريب، ورغم أنها لا تزال موجودة، إلا أنها باتت أضعف بكثير مما سبق.

هذا التناقض، أي الحاجة إلى درجات أعلى من التخريب، مع انخفاض القدرة على ذلك، بات يدفع اليوم باتجاه انفضاحٍ مطردٍ للتنسيق المقصود أو غير المقصود بين المتشددين من الطرفين السوريين، بل وبالتقاطع مع رغبات وممارسات الأعداء التاريخيين للشعب السوري.

على رأس قائمة الأفعال التي تسعى باتجاه التصعيد والتوتير، تأتي أفعال توأم قوى الفساد الكبير الداخلي بالتكافل والتضامن مع العقوبات الغربية، والأمريكية خاصة؛ أفعالٌ وممارساتٌ تفترس السوريين في أساسيات حياتهم ولقمة عيشهم، من الخبز إلى الكهرباء إلى المواد التموينية الأساسية، وإلى المحروقات وغيرها، وعبر طرق «ذكية» متعددة، الأمر الذي يضع الأغلبية الساحقة من السوريين في وضع غليان شديد يصعب التنبؤ بعواقبه.

كذلك الأمر مع الدفع الأمريكي المستمر لتعويم النصرة وتأجيل قدرها المحتوم في سوتشي. آخر تفاصيل تلك المحاولات البائسة، هي الاتكاء على كورونا سواء باتجاه فتح «معبر تجاري» تحكمه النصرة، أو باتجاه شرعنة «حكومة النصرة كجهة مدنية لا بديل عن التعاون معها» للتصدي للفيروس.

في الشمال الشرقي أيضاً، يدفع الأمريكيون، وفي إطار التصدي المزعوم لكورونا، إلى سياسة «التباعد الوطني» بين الشمال الشرقي وبقية البلاد، بديلاً عن التباعد الاجتماعي الذي لم يجر تطبيقه في الولايات المتحدة نفسها!

في الجنوب أيضاً، نشطت في الفترة الماضية عصابات الخطف على أمل الإيقاع بين أهل البلد الواحد، وذلك بالتوازي مع عمليات تحريض شديدة الوقاحة والوضوح، قادمة من جهة الكيان الصهيوني.

هذه الممارسات كلّها، ورغم ما تخلفه من نتائج مأساوية على عموم السوريين، المنهكين والمتعبين أصلاً، إلا أنها تعكس من جهة أخرى، اقتراب نهاية درب الآلام الطويل الذي خاضه الشعب السوري.

هذه الممارسات أيضاً، وإذ تفضح الاصطفاف الحقيقي للمتشددين من كل الأطراف، جنباً إلى جنب مع أعداء سورية والشعب السوري، فإنها تفتح باباً واسعاً لاصطفاف الوطنيين الحقيقيين، ومن كل الأطراف أيضاً. بل وأكثر من ذلك، تعيد الاعتبار إلى أساسات بناء الهوية الوطنية السورية، وعلى رأسها جلاء المستعمر الفرنسي عام 46 بنضالات السوريين على امتداد الوطن، وبحكمة وإيثار وصلابة الثوار الأوائل، وبمساعدة ميزان القوى الدولي المتشكل خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.

مهمة استكمال بناء الهوية الوطنية بأبعادها المختلفة، السياسية والاقتصادية والثقافية والقانونية والديمقراطية... هي مهمة الحاضر، والتي سيشكل التنفيذ الكامل للقرار 2254 مدخل الوطنيين باتجاهها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
962