اللجنة الدستورية: العجلة تستعد للدوران، والفرامل تجري إزالتها...
بدأ المبعوث الدولي الخاص لسورية، غير بدرسون، جولة دولية جديدة تؤشر إلى اقتراب إعادة تدوير عجلة اللجنة الدستورية بعد الجولة الثانية الفاشلة بين 25-29 تشرين الثاني الماضي. وليس من المصادفة بطبيعة الحال أنّ جولته بدأت من موسكو بالذات...
رغم أنّ الجولة الأولى للجنة ككل ولمجموعتها المصغرة، والتي جرت بين 30 تشرين الأول- 8 تشرين الثاني، بدت إيجابية، ولكن فشل الجولة الثانية وتأجيل الثالثة (التي كان من المفترض أن تنعقد في 16 كانون الأول الماضي)، أعاد التأكيد على حقيقة واضحة: المتشددون الذين جرى تشكيل اللجنة بغير إرادتهم، والذين ماطلوا وعملوا على تأخير تشكيلها طوال عامين، لا يمكنهم هم أنفسهم أن يدفعوا اللجنة المشكّلة باتجاه إنجاز مهامها، وتأدية دورها كمفتاح لعملية الحل السياسي ولتنفيذٍ كامل للقرار 2254.
يمكن وصف المشهد الخارجي ابتداءً مما قبل الجولة الثانية ببضعة أيام، وخلالها وبعدها عدة أيام أخر، بأنه كان مشهداً تخريبياً مكثفاً، سعى خلاله المتشددون من الطرفين، وضمن حالة توافق ضمني عجيبة، إلى بذل كل ما في استطاعتهم لدفن اللجنة بأسرع وقت ممكن.
ما جرى فعلياً، هو أنّ موجة التخريب قد جرى استيعابها بشكل أولي، عبر الصمت عنها خلال الجولة الثانية وبعدها قليلاً، الصمت الذي كان بمثابة فرصة واختبار لحقيقة النوايا والممارسات. هذا الصمت مستمر شكلياً حتى اللحظة، ولكن في الكواليس جرت وتجري حركة كثيفة يمكن تلخيص جوهرها بنقطتين أساسيتين:
أولاً، ممنوع فشل اللجنة الدستورية.
ثانياً، أولئك الذين أظهروا نواياهم التخريبية بشكل واضح وملموس، شخوصاً وبنىً، سيجري تخفيض وزنهم في العملية ككل، وفي آجال قريبة جداً.
مسائل عالقة
بالتوازي مع السلوك التخريبي الذي مارسته أوساط في النظام وأخرى في المعارضة تجاه اللجنة الدستورية، استمرت مشكلة تمثيل قوى الشمال الشرقي السوري حاضرة.
وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى أربعة إيحاءات بالحوار تجريها قسد/مسد، الأول هو حوار مع النظام، والثاني حوار مع المعارضة، والثالث حوار مع المجلس الوطني الكردي وعبره مع إقليم كردستان العراق، والرابع حوار مع أنقرة.
بنظرة إجمالية لهذه الحوارات، والتي لم يتوقف الحديث يوماً عن السعي باتجاهها، وخاصة بعد العدوان التركي والانسحاب الجزئي الأمريكي ثم العودة، نرى أنّ أياً منها لم يتقدم بشكل جدي، وبقي النوسان بين إقبال على الحوار وبين انكفاء عنه هو شكل العملية، في حين كان جوهرها دائماً هو عدم الإقدام على أية خطوة كاملة تسمح بحل المشكلة.
من المعلوم أنّ الدفع باتجاه تمثيل قوى الشمال الشرقي ضمن العملية السياسية، سواء جاء ذلك عبر حوار مع المعارضة أو عبر حوار مع المجلس الوطني الكردي أو عبر حوار مع النظام برعاية روسية، سيصب في نهاية المطاف في تخديم هدف الحفاظ على وحدة سورية؛ ذلك أنّ الإصرار على إظهار قسد/مسد كطرف لا علاقة له لا بنظام ولا بمعارضة، ولا يتمثل ضمن اللجنة الدستورية وضمن العملية السياسية، هو إصرار مؤداه تعميق العزلة المضروبة على الشمال الشرقي السوري بشكل عام، وعلى الكرد بشكل خاص.
بكلام آخر، فإنّ تعزيز تلك العزلة، من شأنه تعزيز أوهام الانفصال وتعميق سوء الفهم وتدني الثقة بين المكونات السياسية والشعبية بما يتعلق بمشروعية ووطنية (الأوضاع الخاصة) للشمال الشرقي.
إنّ الاستهداف الأمريكي الواضح، هو بالذات تعميق هذه العزلة. وهذا يتوافق بشكل بيّن مع المخطط الإجمالي للأمريكان في المنطقة، والذي يرتكز اليوم على مجموعة أسس، لعل أهمها هو أنّ المطلوب هو انكفاء سريع من المنطقة، ولكن بما يسمح بإغراقها في مزيد من الفوضى، بحيث تبقى ساحةً لاستنزاف الخصوم.
الملموس في هذا العمل الأمريكي، هو انسحابات جزئية وإعادة تموضع، بحيث يجري التمركز على الملفات الأكثر حماوة والأكثر قابلية للعب دور صواعق التفجير، وعلى رأسها المسألة الكردية، في العراق وفي سورية على حد سواء، وأيضاً عبر المسائل الطائفية التي تبقى أداة استثمار مهمة ضد مصلحة الشعوب. هذه الأخيرة، تتطلب إعادة إحياء داعش من جديد، وهو ما نرى إرهاصاته في العراق بالدرجة الأولى، وفي سورية ثانياً.
تغييرات لا بد منها
كما هو الأمر بالنسبة للنظام والمعارضة، والتغييرات التي لا مفر من تحقيقها ضمن بناها وتمثيلاتها، وعلى الأقل تلك المعنية مباشرة بالعملية السياسية، بما يؤرض ويعزل عمليات التخريب، فإنّ أمراً مشابهاً بما يخص قسد/مسد، هو أيضاً يندرج في خانة ما لا مفر منه.
إنّ وزن العقلانيين، وبالذات أولئك الذين لا تعميهم أكاذيب الأمريكي ووعوده، ينبغي أن يزداد. خاصة وأنه بات من الصعوبة بمكان، أن يُصدق أحدٌ أن في الوجود درجات من الحمق يمكن معها للمرء أو للقوة السياسية أو لتيار ضمن قوة سياسية، مهما كان أحمق، أن يستمر في تصديق الكذب الأمريكي.
العجلة ستدور قريباً
وإذا كان حال السكون الظاهري هو ما ساد المشهد خلال الشهر ونيف الماضي، فإنّ العجلة ستدور في وقت قريب، ولكن هذه المرة، (وبعد الاختبارات التي جرت خلال الفترة الماضية)، سيجري التخلص من الفرامل الاصطناعية التي أراد البعض أن تكون جزءاً مكوناً للعجلة نفسها، وهذا ما تتجه الأمور نحوه، ليس على مستوى النظام والمعارضة فحسب، بل وعلى مستوى كل القوى السياسية السورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 950