وزن الأمريكي في سورية يتناهى إلى الصفر، وأستانا تقود الحل...
أقل من ثلاثة أسابيع انقضت على بدء تركيا عدوانها على الشمال السوري، العدوان الذي جاء ضمن تواطؤ واضح مع الأمريكي الذي مهّد له عبر الانسحاب الجزئي من سورية، والذي شمل مناطق حدودية بعمق وصل إلى 30 كم.
مع انقضاء هذه الأسابيع الثلاثة، وبعد محطتين أساسيتين، هما زيارة مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي وفريقه إلى تركيا يوم السابع عشر من الجاري، والتي نتج عنها «اتفاق» في ثلاث عشرة نقطة تضمن تعليقاً للعدوان لمدة خمسة أيام، ووصفناه في حينه بأنه تكاذب متبادل على غرار كل الاتفاقات الأمريكية التركية خلال السنتين الماضيتين، بما فيها اتفاق منبج، ومن ثم المحطة الثانية والأهم، وهي زيارة أردوغان إلى سوتشي يوم الثاني والعشرين من الجاري، والتي انتهت إلى توقيع مذكرة مشتركة من عشرة بنود، تم بموجبها إنهاء العدوان والتمهيد لوصول الجيش السوري برفقة الشرطة العسكرية الروسية إلى القسم الأكبر من الحدود السورية التركية شرق الفرات، الأمر الذي بدأ بالفعل وبات في مرحلة متقدمة.
سحر الأمريكي يرتد عليه
ما حصل في الشمال الشرقي السوري خلال الأسابيع الماضية، يمكن تلخيصه بالأفكار الأساسية التالية:
ترامب، ومن خلفه التيار الذي يمثله ضمن النخبة الأمريكية، وتطبيقاً لسياسة الانكفاء من مناطق مختلفة في العالم، يسعى إلى الانسحاب من سورية، وهو الأمر الذي عبّر عنه ابتداءً من وعوده الانتخابية، ومن ثم في إعلانه التويتري في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وصولاً إلى إعلانه الأخير عن الانسحاب الأمريكي الكامل من سورية قبل أيام.
ضمن الصراع الداخلي الأمريكي، وبعد رجحان قوة وسيطرة من يريدون الانكفاء، (والذي كان وصول ترامب للرئاسة من الأساس تعبيراً أولياً عنه)، جرى اللجوء إلى سيناريو مركب: أن يتم الانسحاب بطريقة تسمح بضرب ثلاثي أستانا ببعضه البعض، وتسمح بإعادة إحياء داعش، وهو ما تمثل في التواطؤ مع التركي لتمهيد أرضية عدوانه.
بعد الانسحاب الجزئي الأمريكي وبداية العدوان التركي، شنّ صقور الفاشية في البيت الداخلي الأمريكي حملة شعواء ضد الانسحاب، جرى تطويقها عبر رسالة ترامب الوقحة لأردوغان، ومن ثم عبر التكاذب ذي النقاط ال13 الذي نتج عن زيارة مايك بنس لأنقرة.
في سوتشي يوم 22 من تشرين الأول، جرى اتفاق فعلي، بعد تفاوض طويل، الاتفاق يوقف العدوان، ويفتح الباب أمام انتشار الجيش السوري على القسم الأكبر من الحدود السورية التركية شرق الفرات، بوصفه خطوة إضافية في تقليص المساحات التي تقع خارج سيطرة الدولة، على طريق استعادة كل المساحات. وبخصوص الشمال عموماً، جرى التأكيد على مرجعية اتفاق أضنة، والذي طرح وزير الخارجية الروسية أن من الممكن إذا شاء الطرفان السوري والتركي تطبيقه أو مراجعته ضمن اتفاق جديد أن تساعد روسيا في ذلك، إضافة إلى التصريحات المتكررة عن ضرورة الحوار المباشر بين الدولتين، وهو الأمر الذي يندرج ضمن العمل الروسي على انتزاع فتيل الأزمات المختلفة في المنطقة على أساس القانون الدولي وعلى أساس احترام سيادة الدول. مع التذكير المستمر بأن أي وجود على الأرض السورية خارج القانون الدولي هو وجود غير شرعي، وهو ما عبر عنه المتحدث الرئاسي بيسكوف وضوحاً.
بعد الاتفاق الروسي التركي، الذي لقي تأييداً إيرانياً، تسارعت عملية الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري، وقام الأمريكي بتفكيك وتدمير معظم قواعده ومقرّاته في الشمال السوري، وكان يبدو أنّ الأمور ذاهبة باتجاه انسحابٍ كاملٍ ونهائي، ولكن كان واضحاً أنّ النوايا الأمريكية وموازين القوى الداخلية الأمريكية لن تسمح بانسحاب كامل وفوري، وهو ما عبر عنه المبعوث الروسي للأزمة السورية لافرنتييف بتشكيكه بنوايا الأمريكي بالانسحاب، الأمر الذي ظهر خلال اليومين الماضيين بالتصريحات الأمريكية عن إبقاء قوات أمريكية في حقول النفط السورية، وهو الأمر الذي لن يطول هو الآخر.
محصلة أوّلية
التطورات السريعة التي جرت خلال الشهرين الماضيين ابتداءً من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، ومروراً بالعدوان التركي، والأخذ والجذب حوله بين الأمريكي والروسي، ووصولاً إلى انسحاب الأمريكي شبه الكامل على أبواب انعقاد الاجتماع الأول للجنة الدستورية، بات يمكننا القول إنّ وزن الأمريكي في سورية بات يسير باتجاه الصفر، ولن يطول به الوقت حتى يغدو صفراً كاملاً، ومن نافل القول هنا إن أوزان بقية دول المجموعة الغربية المصغرة قد باتت صفراً. وذلك بمقابل ارتفاع هائل في وزن ثلاثي أستانا الذي أسس لإنهاء الحرب بشكل تدريجي ابتداء من اجتماع أستانا الأول، وأسس لدفع الحل السياسي على أساس القرار 2254 ابتداءً من مؤتمر سوتشي في الشهر الأول من العام الماضي، والآن يستكمل عمله في تهيئة الظروف المناسبة لعمل اللجنة الدستورية ولإطلاق العملية السياسية بشكل فعلي وحقيقي، وصولاً إلى التنفيذ الكامل للقرار 2254.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 937