اجتماع (RIC) في قمة العشرين... الهند تخطو نحو الصين
شهدت آسيا زخماً غير مسبوق في مؤتمرات القمم الدولية خلال الفترة الماضية: فمن مؤتمر الحزام والطريق في منتصف الشهر الخامس إلى قمة منظمة شانغهاي، إلى مؤتمر سيكا (التفاعل وإجراءات الثقة في آسيا) إلى منتدى بطرسبورغ الدولي ولقاء القمة الروسي الصيني الاستثنائي، وصولاً إلى قمة العشرين في اليابان...
لا تهدأ القارة الآسيوية إذ تدفعها قدماً إلى الأمام القوّة المحركة الفاعلة: الصينية- الروسية، والتي تخطو اليوم خطوات جدية لتكون الهند الرأس الثالث للمثلث الآسيوي المحوري، في خطوات متسارعة ومبادرة هندية لم تكن متوقعة.
النصف الثاني من القرن العشرين الخلافات الآسيوية
ترتسم العلاقات الدولية على أساس عميق، يعكس طبيعة التقسيم الدولي للعمل، فتتفكك تحالفات وتنشأ أخرى، بناء على طبيعة النظام الاقتصادي الدولي وتوزيع الأدوار ضمنه. وإذا ما كانت المرحلة الذهبية للغرب بعد الحرب العالمية الثانية، تحمل سِمة أساسية هي التحالف الغربي، الذي مركزه الولايات المتحدة وعُمقه أوروبا الغربية واليابان. فإنه على الطرف الآخر كانت العلاقات بين القوى الاقتصادية الدولية الكبرى في آسيا قد بدأت تسوء... وأبرز ما يميزها: الخلاف السوفييتي الصيني في النصف الثاني من القرن العشرين. وكلما كان الغرب يوسّع هيمنته، كلما كانت العلاقات وإمكانات التعاون في آسيا تصبح أصعب، وقد دمج الغرب في نموذجه قدرات المنظومتين: السوفييتية المتفككة في التسعينيات، والصينية المنفتحة على رأس المال منذ الثمانينات، مع تباينات في طبيعة الانخراط ومستواه، إذ استطاعت الصين أن تدير تراجعها، وأن تحدد آليات في دخول رؤوس الأموال إلى البلاد، بينما أخذ التراجع الروسي شكلاً آخر أكثر ارتباطاً اقتصادياً.
لم تكن الهند بعيدة عن كل هذا، فهي جزء مكّون وهام من علاقات مركز وأطراف، اندمجت في نموذج النمو التصديري القائم على الأجور المنخفضة، وعلى دخول رأس المال الأجنبي، وعلى الاستهلاك الغربي... مع محافظتها على استقلالية نسبية ناجمة بطبيعة الحال عن الجغرافية والقوة البشرية الهائلة لهذا البلد الآسيوي.
وقد انعكس هذا الدور الهندي في مرحلة النيوليبرالية العالمية، في طبيعة علاقات الهند مع دول آسيا الكبرى، وتحديداً في علاقتها التنافسية مع الصين، حيث تتوتر العلاقات السياسية مع أزمة حدود قادت إلى حرب في عام 1962، ولم تشهد حلحلة جِدّية حتى اليوم، بل تجددت التصريحات والتصعيد في عام 2017، ثم خمدت فجأة بلقاءٍ سريعٍ بين الرئيسين.
الغرب يفقد تدريجياً التناقض الصيني- الهندي
يضع الغرب، والأمريكيون تحديداً، جهوداً كبيرة لإبقاء الهند قريبة، أو بشكل أدق بعيدة عن الصين... وقد نجحت التناقضات في إبقاء موقف الهند رافضاً للاندماج بالمبادرة الصينية (الحزام والطريق)، التي ترى فيها الهند مشروعاً مهدداً لها، وتحديداً في جزئه المتعلق بالكوريدور الاقتصادي الصيني- الباكستاني، الذي ترى الهند أنه يمر عبر أراضيها المتنازع عليها في إقليم كشمير.
الموقف الهندي هذا يبدو أنه في طريقه للتغيّر، تدفعه الضرورات الموضوعية والمصالح الهندية... ويدفعه أيضاً الضغط الغربي بمشاريع الفوضى في آسيا التي لا تعتبر من مصلحة الهند، وهي المصنفة خامسة عالمياً من حيث رقم الناتج المحلي الإجمالي، وصاحبة أعلى معدل نمو اقتصادي عالمياً في مجموعة الـ G20.
فمحاولة إيقاد الأزمة بين الهند وباكستان، والتفجيرات واحتمالات التصعيد في سيرلانكا، والضغط الأمريكي على الهند حتى لا تستورد أس 400، والضغط على الهند عبر العقوبات النفطية على إيران، وهي واحدة من مصادر الطاقة الأساسية لها، والتصعيد الأمريكي بالتوتير في مضيق هرمز، حيث يعبر النفط إلى الهند ومجمل آسيا... جميعها عوامل تدفع الهند لعدم السير في عملية مناورة مع الغربيين، إذ إن حدّة الأزمة الغربية تدفع إلى سلوك تصعيدي، لا يُبقي مجالاً واسعاً للمناورة، ويدفع الهند إلى تجاوزٍ لضيق الأفق التنافسي مع الشركاء الآسيويين، ومع الطرف الصيني تحديداً. وسيدفعها نحو علاقات التعاون ونموذج: رابح- رابح.
وبالفعل، فإن التصعيد بين الهند والباكستان تمّ احتواؤه، وجلس زعيما البلدين على طاولة واحدة في مؤتمر شانغهاي، وكذلك الأمر في سيرلانكا التي لم تتصعّد أزمتها، كما أصرّت الهند على استيراد أس 400 التي ستقدم روسيا خطوط إنتاجها للهند، وليس فقط الأنظمة الدفاعية الجاهزة. كما توسّع الهند علاقاتها مع روسيا سريعاً عبر الممر الاقتصادي الشمالي (NSTC) الذي سيوصل الطاقة الروسية إلى الهند، عِبر إيران وأذربيجان.
وأخيراً، كانت المبادرة الهندية في قمة مجموعة العشرين، لعقد اجتماع ثلاثي: روسي- صيني- هندي، كان واحداً من العلامات الفارقة في هذه القمة التي ضمّت الكثير من الرسائل والإشارات لنظام العلاقات الدولية الجديد قيد التشكيل.
إن حاجة الهند إلى الصين أعلى من حاجة الأخيرة لها، إذ تستورد الهند من الصين نسبة 17% من مستورداتها، وهي شريكها التجاري البضاعي الأكبر، فمعظم مستورداتها 56% هي معدات وآليات، أو ما يسمى سلعاً رأسمالية. بينما تصدّر الهند للصين بضائع نصف مصنعة ومواد خام لا تشكل إلا نسبة 0.6% من واردات الصين... ولكنها هامة للهند وتحديداً بتسارع نموها، إذ نمت في بين 2016-2017 بنسبة 72% بين شهري 10 من العامين. والأهم: هي الوعود الاستثمارية: 20 مليار دولار استثمار صيني محتمل في البنى التحتية الهندية.
يرى خبراء بأن مشروع طريق الحرير ممكن أن يقدم فرصة جدية للهند، إذا ما تجاوبت معه... وتحديداً في الممر الاقتصادي المجمد حالياً بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار (BCIM)، لربط مدينة كونمينغ الصينية بميناء كولكاتا الهندي. كما أن هنالك إمكانية كامنة في استكشاف إمكانية الاتصال عبر الهيمالايا ونيبال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 920