واشنطن وسياسة الهاوية
جرى خلال الأسبوع الماضي وحده تصعيد هو الأكبر من نوعه بين أمريكا وإيران، وبين إيران والسعودية، وتوترٌ عالٍ في الخليج العربي على إثر الاعتداءات على السفن التجارية.
يُلاحظ على الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة تعاملها مع مختلف الملفات والقضايا الدولية بسياسةٍ تبدو «عشوائية» أو «متهورة» تدفع بالأمور نحو ذروتها، ثم تهمد دون أن تصل الحرب، أو ترجع عنها تماماً، إلّا أنّ خلف (التهور) هذا الكثير من الحرص، آخر ما حُرر بهذا السياق هو توتر الخليج وإيران بتهديدات وصلت إلى شفا إعلان الحرب في المنطقة.
مقدمات
على خلفية فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران، والتصعيد المتبادل بينها وبين السعودية، بالإضافة إلى توجيه «البنتاغون» منذ الخامس من الشهر الحالي مجموعة سفن حربية بقيادة حاملة الطائراتAbraham Lincoln مرفقة «بقاذفات تكتيكية» إلى الخليج بذريعة وجود «معلومات مؤكدة» عن «تهديدات إيرانية تجاه العسكريين الأمريكيين وحلفائهم» حذَّر القائد العام للجيش الإيراني «العدو» من أنه سيتلقى رداً «سيجعله نادماً لو ارتكب أي خطأ في الإستراتيجية أو الحسابات»، بتصعيدٍ لم يحدث مثله سابقاً، وبالمقابل أيضاً حدثت سلسلة اعتداءات بدأت منذ الأحد على ناقلتي نقط سعوديتين قرب ميناء الفجيرة، ثم في الاثنين استهدفت 4 ناقلات نقط بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية، دون ذكر المسؤول عنها، والثلاثاء تم ضرب محطتي ضخ أنابيب نفطية في السعودية عبر «طائرات مفخخة» من دون طيار وأيضاً من دون ذكر المسؤول عنها... لتخدم كل هذه الأمور بالإضافة إلى كل التراكمات السابقة، غاية التصعيد والتوتير نحو الحدّ الأقصى في المنطقة، والعلاقات الخليجية الإيرانية الأمريكية ليجري الحديث على إثر كل ذلك عن بوادر حرب.
ما الغاية؟
يأتي هذا الشكل التصعيدي في الخليج كمثيله سابقاً في فنزويلا ومحاولة الانقلاب، وقبله في الحرب بين الهند وباكستان، وقبلها شبه الجزيرة الكورية بين الشمال والجنوب، مروراً بكافة التصعيدات الكبرى في الملفات المختلفة دولياً... لتشكل جميعها صورةً عن السياسة الأمريكية في هذه المرحلة عبر دفع الأمور لـ«حافة الهاوية» أو «حافة الحرب» بغاية تحصيل أفضل وزنٍ وموقع تفاوضي في الملف أو القضية أو المنطقة المعنية، بسياق آخر يمكن القول: إن الولايات المتحدة ترى التراجع الذي لا مهرب منه، والذي يليه إعادة توزيع المواقع، وتحاول أن ترفع السقف التفاوضي، عبر استخدام الأدوات الأمريكية: العسكرية والسياسية والاقتصادية التي لا تزال تفلح في إثارة البلبلة وإشغال الآخرين. ومن جهة أخرى تسعى واشنطن عبر هذه السياسات إلى إعاقة وكبح أيّة عملية تقارب أو تفاهم دولي وإقليمي، بين أيّ من الدول ما استطاعت، بما فيها إيران والسعودية في منطقتنا.
والنتيجة؟
بطبيعة الحال وفقاً لظروف الميزان الدولي اليوم فإن هذه المساعي الأمريكية تنجح في شراء الوقت، ولكنها تصطدم بوقائع وظروف العالم اليوم، لتصل إلى سقفها وذروتها دون أيّ حدث جلل يفيد غايتها تماماً، ويساهم في استعادة الأوزان السابقة... بل وموضوعياً، إن استمرار هكذا سياسات وتصعيدات وفي حالة إيران والسعودية اليوم سوف تدفع في نهاية المطاف إلى صنع تقارب وتفاهمات لسبب واحد وهو: عدم استعداد ولا مصلحة البلدين بإعلان هكذا حرب، لتبحث كل منهما عن نقاط التقاء يجري احتواء الحالة ضمنها، وهذا ما تظهر ملامحه. حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني أنه «لن تكون هناك حرب في المنطقة»، وقال وزير الشؤون الخارجية السعودية: إنّ «السعودية لا تريد الحرب وستفعل ما في وسعها لمنع قيامها» مذكراً «في هذا الإطار استجابت المملكة لنداء استغاثي من سفينة نفط إيرانية في عرض البحر الأحمر» منذ نحو أسبوعين. بإشارات متبادلة بين الطرفين، رغم سوء العلاقات الدبلوماسية، بأن الحرب ليست احتمالاً أبداً، مبددين بذلك كل أحلام متشددي العالم ودعاة الحرب، فواقع الميزان الدولي اليوم ومكانة واشنطن فيه بات واضحاً لكل حلفائها ومنها: السعودية، وبأن الرهان على الأمريكيين المنقسمين والمأزومين والباحثين عن حرب مجدية: خاسر حتماً.
واشنطن لن تكفّ يدها
في الإطار العام: إن الولايات المتحدة وكما هو معروف لن تخرج من المنطقة دون تنفيذ أكبر قدر ممكن من المآرب لمصلحتها، إلّا أنه ومع كل خطوة من هذا النوع، تأتي بنتيجة عكسية بسبب وقائع اليوم، فلا مصلحة إيران ولا السعودية ولا الهند وباكستان ولا الكوريتين ولا فنزويلا وما حولها تتقاطع مع مصالح واشنطن بإشعال فتيل توترات تمسّ حتى الدول الحليفة لها مباشرة، وتزجهم في معركة لوحدهم ضمنها، لتستفيد من كل خطوة كهذه، الدول الصاعدة بسياساتها وحلولها وفق آليات الحوار والتفاهمات التي تتقاطع وتلقى نقاط التقاء لها مع الجميع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 914