ثورة أكتوبر.. ما أشبه اليوم بالبارحة
عامر الحسن عامر الحسن

ثورة أكتوبر.. ما أشبه اليوم بالبارحة

قبل مائة عام، ومن رحم التناقضات التي كانت تعصف بالعالم في بدايات القرن الماضي، خرجت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا القيصرية:

أزمة حادة في النظام الرأسمالي المهيمن، أفصحت عن تفسخ النموذج، وانحطاطه، ورجعيته على طول الخط، وعجزه عن حل القضايا القائمة.
اقتسام جديد للعالم، وحرب عالمية مدمرة بين «الوحوش الضواري».
تفكك إمبراطوريات ودول، نزاعات ..حروب .. مجاعات... عمليات تهجير، ونزوح جماعي، تفشي الأوبئة ...
ثورة برجوازية فاشلة في روسيا القيصرية.
تنامي عود الحركة العمالية والثورية، وتبلور الماركسية كتيارٍ نظري وسياسي، وعمليات فرز عميقة في صفوفها، بعد أن نال ذلك التفسخ من بعض فصائلها.
فرض الواقع الموضوعي، أي: الضرورة التاريخية في حينها، على العقل البشري إبداع نموذجٍ جديدٍ في تنظيم العلاقة بين الناس، وفي بناء الدولة، وفي العلاقات بين الدول، فكانت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، بعد أن استنفذ النموذج الرأسمالي إمكاناته...
أن تنتصر ثورة عمال وفلاحين وجنود قبل قرن على نظام قيصري، وأن تجابه الثورة والدولة السوفيتية الوليدة، وهي في المهد 18 دولة مدججة بالسلاح حتى أسنانها ، وتنتصر على الجميع، وأن تكون أولى مراسيمها: مرسوم السلام، ومرسوم الأرض، وأولى مشاريعها كهربة البلاد، فهي بكل تأكيد مأثرة في تاريخ البشرية، ربما كانت شبيهة بالأساطير، وقريبة إلى المستحيل، ولكنها كانت واقعية في الوقت نفسه، أليست الواقعية أن نطلب ما يبدو مستحيلاً؟ بدلالة انتصارها، وانتشار أفكارها في دول العالم كله بلا استثناء، وبدلالة أن المفاهيم التي حملتها الثورة، أصبحت جزءاً من الوعي البشري العام، فما هو بدعي اليوم، لم يكن بدهياً قبل ثورة أكتوبر، وما يعتبر اليوم من المسلمات لم يكن كذلك قبل ثورة البلاشفة الروس، بقيادة فلاديمير لينين، وتداعياتها العالمية...
على مدى المائة سنة الماضية، كانت الماكينة الإعلامية للعدو الطبقي، تزعم، ومعها المناضلون «الترانزيت» وبعض السُّذج، أن استحضار ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والاحتفاء بها، هو عودة إلى الماضي، وأنها تجربة لن تتكرر.. و.. و..!
اليوم، وبعد مضي ربع قرن على انهيار التجربة، وبعد التشويه والتشنيع كله الذي جرى بحقها، وبعد ربع قرن من استفراد رأس المال بالقرار العالمي، وفي ظل التفسخ القديم _ الجديد السائد في ظل ذاك الاستفراد، وبعد تحرك دومينو بؤر التوتر، من مكان إلى آخر على امتداد الكرة الأرضية، وبعد هذا الاستغلال الوحشي غير المسبوق للجنس البشري، والطبيعة، وبعد أن تبين بالملموس أنه نظام منتج للأزمات، بطبيعته، وبنيته، وثقافته، وبعد أن ادّعى من ادّعى بأن الرأسمالية نهاية التاريخ، وبعد أن تأكد أن وجود هذا النظام لا يتعارض فقط مع مصالح الأغلبية المستغَلة على النطاق العالمي وداخل كل دولة، بل يتناقض مع استمرار الحضارة البشرية أيضاً.. كما كان الوضع عشية ثورة أكتوبر تماماً، أليس من المنطقي القول: إن البحث عن نظام بديل بات على جدول الأعمال، ولأنه ضرورة كما كانت أكتوبر ضرورة، فهو آت بلا شك..
الثورة القادمة، والنظام الجديد لن يكون نسخة عن التجربة السابقة بكل تأكيد، وربما تختلف بأدواتها، وتفاصيلها، ولكن بكل تأكيد ستحمل الرسالة ذاتها، وهي: إنهاء استغلال الإنسان للإنسان، واضطهاد شعب لشعب، والاستثمار اللاعقلاني للطبيعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
834