محمد قاسم محمد قاسم

منبر النقاش حول: «ميثاق شرف الشيوعيين السوريين»

تتابع «قاسيون» النقاش حول «ميثاق شرف الشيوعيين السوريين». ويمكن للراغبين بالمشاركة إرسال آرائهم على عنوان الصحيفة، أو عبر البريد الالكتروني..

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة المشرفون على جريدة «قاسيون». دمشق..
تحية وتقدير وبعد:

للعلم، لست منتمياً إلى حزب سياسي، كما أنني لست منسجماً مع بعض قضايا الفلسفة الماركسية ولكن هذا لا يمنعني من ان أكون من المهتمين بما يجري في الكون كله باعتباره يمس معنى الإنسانية، فما بالكم بما يجري في الوطن..!
كما أن هذا كله لا يمنع أن أرى في مفاهيم وسلوكيات الشيوعية ما يستوجب النظر إليها باحترام واهتمام.

وإذا أخذنا الواقع بالاعتبار ـ وهو ما يجب أن نفعله باستمرار ـ فإنني أرى أن: «الماركسية اللينينية» منهج فكري (أيديولوجيا) له جذوره وانعكاساته المؤثرة في صياغة السياسة العالمية، ومنذ ما يقرب قرن من الزمان. وحتى إذا كانت قد خسرت من خلال تساقط الأنظمة الشيوعية، فإنها لاتزال تشكل نبعاً ثراً ومخزوناً هائلاً من معطيات يمكن العودة إليه كتجربة عظيمة، لصياغات فكرية متبلورة تتناسب مع الحالة الواقعية للإنسانية على وجه الأرض في مطلع الألفية الثالثة.

ولأنني شعرت بفرح يغمرني وأنا أقرأ في الجريدة ما يشير إلى إرادة حيوية للإحياء ونفخ الروح في كيان الحزب ـ وهو ما أتمناه لكل الأحزاب على امتداد ساحة الوطن ـ فقد وجدت نفسي أكتب.. تحرضني دعوة «قاسيون»، تفتح النقاش حول «ميثاق شرف الشيوعيين السوريين» ـ «ويمكن للراغبين إرسال آرائهم».
وكما أسلفت ـ ولأنني لست حزبياً فقد اقتصرت كتابتي حول بعض القضايا الفكرية والتي أنوي التوسع فيها مستقبلاً إذ أشعرتموني برحابة صدر تجاهها.. آملاً أن يكون المسعى مساهمة متواضعة في تجديد الروح الشيوعية على الأساس الإنساني السليم «الأممي» والذي يشكل نظرياً على الأقل ـ قاعدة ومنطلقاً للعمل الشيوعي ـ كما أفهم ـ فأقول:

لعل الظروف التي مرت بها التجربة الشيوعية عالمياً ومحلياً ـ وبضمنها التضحيات الجسام ـ لعل وعي هذه الظروف بكفاية، يجعل الجميع يركزون على المعنى الذي ورد في إحدى فقرات «الميثاق» وهو: «إن العمل على أساس الماركسية اللينينية يعني النضال ضد الجمود والعدمية في الفكر» وبحسب تقديري فإن هذا المعنى هو أهم ما ينبغي الوقوف عنده، وحسن التعبير عنه بالصيغة المتداولة وهي «الديمقراطية» بعد إسنادها بالمرتكزات الواقعية والصحيحة، وتخليصها من تخيلات تنظيرية «نيات أورغبات .. إلخ» وفي «الميثاق» تكملة للعبارة السابقة تقول: «… ويعني في الوقت نفسه تطبيقها الخلاق ـ أي الماركسية اللينينية ـ حسب الظروف الموضوعية التي نعيشها» ومن هنا أتساءل: إذا كانت الأنظمة الشيوعية جميعاً زعمت أنها تفعل ذلك. فهل فعلاً تم ذلك واقعياً ..؟! ومن ثم مادامت العبارة نفسها توحي بضرورة الاجتهاد في التطبيق. فكيف نوفق ـ إيجابياً ـ بين الاجتهادات المختلفة، ودون الوقوع في الإشكالات واقعياً ؟

في فقرة أخرى ترد عبارة: «لقد علمتنا التجرية السابقة أن نتمركز على القضايا الراهنة التي لا يمكن حلها أصلاً بقوى فصيل وطني وحده، فكيف وقوانا متفرقة؟».
وهنا أتساءل مرة أخرى: إذا كان الاعتقاد جازماً باقتران «الدور الطليعي» مع التنظيم والانتماء الشيوعي ـ وهذا لا يدعيه غير الشيوعيين ايضاً ـ فأين مساحة قبول الآخرين كفصائل أو افراد يمكن أن يتعاون معها الحزب الشيوعي على أساس من التكافؤ والتشارك في الاستحقاقات الوطنية؟ اللهم إلا إذا كان ذلك يشكل طموحاً لا اعتقاداً. ومن ثم ألا يدخل مثل هذا الاعتقاد، الحزب في قناعة ـ أو الأصح ـ اعتقاد سكوني يجعله يرى نفسه الأحق ـ وكما تفعل بعض الأحزاب الأخرى أيضاً ـ حتى لو لم يوفر في نفسه ـ تكويناً وسلوكاً ـالخصائص الأفضل قياساً إلى غيره، وبالتالي يرى الآخرين دوماً في درجة لا تؤهلهم للمشاركة إلا من موقع الدرجة الثانية..؟!
وفي مداخلة السيد «فريد القره» يرد قوله: «إننا نسعى بشكل واضح لبناء مستقبل جديد لوطن حر وشعب وسعيد، بالاشتراك مع كل القوى الخيرة في هذا الوطن». وأتساءل: من هي القوى الخيرة؟ ألا يجب أن تتحدد وفق معايير واضحة ـ شفافية ـ أم نترك للمزاجية ـ الحزبية على أساس الاعتقاد السكوني ـ إذا جاز التعبير ـ اتخاذ تقييم بشأنها «بالعمل المريح والسهل من فوق»؟!

وعندما أقرأ عبارات من نمط: «وحدة الشيوعيين» أو «الماركسية اللينينية» بتكرار أو عبارات من نمط «إعادة الاعتبار لمنظومة العلاقات الرفاقية الإنسانية التي تصهر الشيوعيين في بوتقة واحدة» تشعرني بخوف من سوء تقدير لحقوق الآخر ـ فرداً أوجماعة ـ كما تشعرني بخوف من عودة النحو إلى صيغ «الجمود والعدمية في الفكر» لأني ـ وبحسب فهمي ـ أرى في هذه العبارات صياغة أقرب إلى التعبير عن معتقد سكوني منه إلى محاولة فهم متجدد للحياة المتغيرة باستمرار…!

وإذا سمح لي ـ كاقتراح ـ فإنني أتساءل: أليس الأجدى ـ علمياً ـ القول «وحدة الحزب الشيوعي السوري» ـ وقد وردت هذه الصيغة كعنوان لمداخلة السيد «القره»: «نحو حزب شيوعي موحد» ـ بدلاً من القول: من «وحدة الشيوعيين»؟
وكما أرى ـ فالحزب ينبغي أن يمثل بموقف موحد (واحد) يستولد من سلوك ديمقراطي داخل الحزب وهذا أمر تعارفت عليه الأحزاب. أما التوحيد بين كل الشيوعيين ـ أفهم منه نوعاً من صهر شخصية الفرد ضمن الجماعة بتجاهل الحالة الطبيعية للاختلاف بين البشر في مستويات مختلفة: (الوعي، قوة القناعة وصدقها، طبيعة المشاعر والتكوين النفسي بشكل عام، التفاعل مع المصلحة وأسس ذلك…إلخ) وأرى أن صياغات تعبيرية تقفز فوق الحالة الطبيعية للتكوين النفسي البشري. يشكل سوء فهم وسوء تعبير عن حقائق يجب أن تراعى…

وأختم رسالتي أو ـ مقالي ـ بسؤال وإيضاح.
فاما السؤال فه: ألا يبدو في النمط المعتمد بعض من الصياغات الفكرية، هيمنة الأدوات السياسية على صيغة الفكر، بدلاً من أن تستقي السياسة أدواتها من معين الفكر ( الثقافة) وكما يجب أن يكون…؟!
وأما الإيضاح، فعلى الرغم من الإشارة إلى مضمونه في البداية فإنني أذكر به مرة أخرى وهو: أنني في هذا المسعى مدفوع بالرغبة في أن أرى الحزب الشيوعي معافى وموحداً وعلى أسس متطورة طابعها المرونة وقابلية التجدد لتجاوز «ضيق الصدر والقمع» وحتى لا يعاد «إنتاج الأزمة» ولايصل إلى القيادة فيه «بعض الأوساط القيادية قد تميزت بالتخلف الفكري وبالانتهازية السياسية» فقد مللنا هؤلاء على امتداد مساحة الوطن،,من ثم لتجاوز «حالة الترهل التي أوصلته إليها الإحباطات المتوالية» و«من خلال الالتحام الدائم بالجماهير الشعبية والدفاع عن مصالحها الآنية والمستقبلية» انطلاقاً من «المبدئية والجرأة في الفكر والاجتهاد» وأضيف: والصدق أيضاً.

ولكم تمنياتي بالتوفيق.
الجزيرة ـ محمد قاسم

معلومات إضافية

العدد رقم:
173