إعادة ترتيب بيت الشيوعيين..الرفاق الأعزاء:
تحية لـ «قاسيون» لأنها تفتح صفحاتها للحوار من أجل إعادة ترتيب بيت الشيوعيين.. هذا الحوار الذي غاب عنا طويلاً.. والذي بدونه لا يمكن التوجه نحو وحدة الشيوعيين على أسس راسخة. واسمحوا لي قبل الدخول في الحوار مع الكلمات التي قيلت ـ أو أرسلت ـ في الاحتفال الذي جرى للتوقيع على ميثاق الشرف من أجل وحدة الشيوعيين السوريين أن أتحدث عن نفسي:
إنني في الحزب الشيوعي منذ /36/ عاماً وأزعم أنني عايشت هموم الحزب كلها تقريباً، والتي أبرزها مسلسل الإنقسامات الذي بدأ يتبلور في المؤتمر الثالث عام 1969.. ولهذا أقر واعترف بأنني شاركت وأشارك بالمسؤولية عن الانقسامات التي حدثت في الحزب على الرغم من أنني لم أكن في القيادة العليا يوماً.. أعترف لأنني كنت ممن اعتقدوا امتلاك الحقيقة التي تفضي بالضرورة إلى نفي الآخر وعدم قبول رأيه إن كان هذا الآخر حزباً أم رفيقاً.. وأنا ممن ضاقوا ذرعاً بالنقد لأن الاتحاد السوفييتي و «الرفاق الكبار» وقيادة حزبي فوق النقد.. وأنا ممن تقمصوا شخصية «تشابايف» رغم أنني أحمل الإجازة الجامعية منذ 1971 فوقفت في الأزمة الأولى في الجانب الذي وقف فيه «لينيننا» فشاركت بتوزيع بيان 3 نيسان الانقسامي الشهير، وأنا ممن مارسوا الماركسية طقوساً لاهوتية، فوضعت منهجها الجدلي على الرف وجعلت مقولات الديالكتيك أيقونات كنسية مقدسة يجب الذود عنها وتقديسها ولكن لا يجوز استعمالها، فرفضت ـ تيمناً بالرفاق «الكبار» ـ القول بأن الماركسية تغتني بالمكتشفات العلمية وتمسكت ـ تيمناً بالرفاق «الكبار» ـ أيضاً بمقولة أن المكتشفات العلمية تثبت صحة الماركسية،وأن الماركسية كلية القدرة لأنها صحيحة.. وأن ديكارت وأنشتاين أسماء لا أهمية لها في ميدان المعرفة الإنسانية أو الفلسفة أو العلم.. وأنا ممن اعتز بالوحدة الصوانية للحزب التي تجعل الرفاق جوقة واحدة ترن كطبق النحاس وأي صوت مختلف هو صوت نشاز يجب تطهير الحزب منه.. وعندما أغلقت الحركة الشيوعية باب الاجتهاد من خلال «الكومنترن» دافعت عن «النقل» عندما كان يختلف مع «العقل» فتوهمت أن ما قاله ماركس عن ألمانيا في منتصف القرن التاسع عشر يجب أن ينطبق على سورية في منتصف القرن العشرين وأواخره.. وأنا..وأنا..
هكذا أيها ـ الرفاق ساهمت من موقعي «القاعدي» في مسلسل الانقسامات واعترف أنني صحوت من غفلتي بعد قراءة كتاب «البيريسترويكا» وأزعم أنني منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات وأنا أعمل على قاعدة تلك الصحوة.
وعود على بدء: أيها الرفاق الأعزاء: إن المهمة التي تقومون بها مقدسة، وأزعم أنني أعمل لها منذ سنوات. إنني مستعد للتوقيع والنشاط لجذب التواقيع على ميثاق يدعو لوحدة الشيوعيين، ولكن من حقي أن أطرح بعض التساؤلات والأسئلة قبل التوقيع، فهناك مثل شعبي يقول: «الملدوغ يخاف من جر الحبل».. فعندما أقرأ كلمة أو رسالة مليئة بالحماسة لهذا الميثاق يقولها رفيق / أعرفه جيداً منذ سنين/ بالحماسة نفسها التي كانت تبدوعليه عندما كان يصعد إلى المنبر ويعلن تأييده لتطهير الحزب من الزمرة الفلانية أو العصابة العلانية، أو يوقع على قرار «لا علاقة له بالحزب» أو عندما كان يصم الرفاق الذين يختلف معهم بـ «عار الديمقراطية الثورية».. أو عندما كا يرد على من كان يطرح شعار وحدة الشيوعيين: بأن باب الحزب مفتوح فمن خرج من «الحزب الأم» وأراد أن يبقى شيوعياً فليعد إليه.. أو عندما أتذكر بعض الرفاق الذين كانوا ينسحبون من هذا الفصيل أو ذاك، إذا لم ينجحوا في انتخابات هم شاركوا في ترتيبها.
لقد قالت «قاسيون»: إن 200 رفيقاً وقعوا الميثاق وأكثرهم من الرفاق «المزمنين» أكثرهم بعمر حزبي يفوق 35 عاماً فهذا يعني أنهم من صانعي الأزمة أو من مجايليها أو من أبنائها أو من الكل معاً… وبعضهم شغل مراكز قيادية لفترات ليست قصيرة. وهذا جعلني أتمنى على الرفاق لو تذكر أحدهم القول المأثور للسيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».. ولكنني شعرت بالخذلان عندما وجدت كل المتكلمين والمحبين يلقون باللوم على «الآخرين» ولا أحد يقدم إشارة بسيطة لمسؤوليتهم الشخصية عن تلك المصائب التي حلت بالحزب /باستثناء الرفيق وحيد مصطفى الذي قدم نقداً ذاتياً صريحاً وأنا أقدم له التحية والتقدير/ وهذا جعلني أشعر بالحزن واهتزاز المصداقية.
قد تقولون ـ أيها الرفاق ـ ليس الوقت الآن مناسباً لجلد الذات أو المعاتبة أو معرفة حجم المسؤولية التي يتحملها كل رفيق ولنترك الحياة لتحل القضايا مثار الخلاف بين الشيوعيين. وأقول: إن البناء السليم يحتاج إلى أساس سليم فالنوايا الحسنة لن تمنع تكرار أخطاء الماضي والعودة للانقسام أو تشكيل حزب شيوعي رابع على الساحة السورية.. فإذا لم نتفق على أسباب الانقسام فلن نعرف طريق الوحدة..
إن الميثاق الذي جرى التوقيع عليه، والمصاغ بعاطفية جميلة، قد احتوى أفكاراً جيدة مطلوبة، مثل: إن كسر حلقة إعادة إنتاج الأزمة لا يمكن أن يتم دون إعادة النظر بآليات العمل التنظيمي..وضرورة إعادة الاعتبار لمنظومة العلاقات الرفاقية الإنسانية و.. إن مسلسل الانقسامات يجب أن ينتهي وأن ننفذ مهامنا الوطنية والطبقية والديمقراطية بشكل منسجم دون خلل..إلخ.
هذه أفكار جيدة وجميلة وهامة ولكن الصيغة المطروحة في المهام «السبعة» تلغي، باعتقادي، تلك الأفكار أو تجعلها قصائد مدح لهذه المناسبة. إن البنود السبعة التي وردت في الميثاق بصيغة مهام وردت حرفياً في كل برامج ووثائق الحزب موحداً أو مقسماً،ومع ذلك لم تنكسر حلقة إعادة إنتاج الأزمة، لماذا؟ هذا سؤال مفصلي.. وأسمح لنفسي بالمساهمة بالإجابة وأقول: إن الأفكار هي نفسها بالذات التي حملت ولا تزال الإشكاليات الخلافية بين الشيوعيين منذ أكثر من نصف قرن، فأي من الشيوعيين القياديين أو غير القياديين قال أو كتب يوماً ما يخالف محتوى البنود السبعة (باستثناء خلاف عام 1972 على البند الثاني)؟؟ ومع ذلك فها نحن ندور في الحلقة المفرغة نفسها.. حلقة الانقسامات.. فعبارة (لا علاقة له بالحزب) كانت تقرر على أساس «الروح اللينينية» في التنظيم /تلك الروح التي جعلت لينين يقول إن من لم يقرأ بليخانوف لا يعرف الماركسية وتلك الروح نفسها هي التي دفعت بلينين أن يقذف بليخانوف بأقذع الشتائم عندما خالفه الرأي حول قضايا الحزب/..
ألم تكن ـ أيها الرفاق ـ لوائح إعدامات العضوية تتم من خلال سيادة المؤتمرات التي كانت تحضر بصلاحية المركزية الديمقراطية؟؟ ألم يفصل مئات الكوادر على قاعدة نبذ التكتلات من أجل الوحدة الصوانية؟ إذاً أين الخلل؟؟ هل في النوايا.. أم في الأفراد.. أم في الفكر.. أم في «الهجمة الإمبريالية»؟؟
أعتقد أن الخلل كامن في التناقض الحاصل بين الموروث والحداثة.. بين الأيديولوجيا والمنهج.. بين مفهوم الحزب غاية ومفهوم الحزب وسيلة.. إنه كامن في إشكاليات أعتقد تحديد بعضها بالأسئلة التالية:
1. هل الماركسية منهج معرفي ديالكتيكي مادي متطور وغير ثابت أم أنها أيديولوجيا متكاملة وكلية القدرة لأنها صحيحة؟
2. هل اللينينية هي الوجه الفلسفي المعرفي الثاني للعملة الماركسية أم هي القراءة الروسية للماركسية؟؟
3. هل الديمقراطية التي نعنيها في خطابنا السياسي هي المنجز الحضاري الإنساني الذي قدمته البرجوازية في فترة صعودها الثوري أم هي الديمقراطية الشعبية التي طبقها لينين ومن بعده الأحزاب الشيوعية والديمقراطية الثورية التي حكمت في بقية البلدان الاشتراكية وبعض دول العالم الثالث؟؟
4. هل المركزية الديمقراطية صيغة تنظيمية أفرزتها ظروف تاريخية معينة في بلد معين لحزب معين أم هي صيغة مطلقة لكل زمان ومكان؟؟
أعتقد أن طبيعة الإجابة هي التي ستحدد إمكانية كسر حلقة إعادة إنتاج الأزمة أو تلغي تلك الإمكانية.. تحية لكم أيها الرفاق فقد مشيتم الخطوة الأولى على طريق «الألف ميل»..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 175