وجهات نظر.. بدايات تشكل الطبقة العاملة السورية، ودور الحزب الشيوعي
الرفاق في هيئة تحرير قاسيون:
تحية رفاقية وبعد.. لقد اطلعت باهتمام على ملف الطبقة العاملة السورية المنشور في العدد /151/ ورأيت بأنه من الهام المشاركة في إيضاح بعض القضايا التي تهم المتتبع لتاريخ الطبقة العاملة السورية حيث أنني سأسلط الضوء على بدايات تشكل الطبقة العاملة السورية، ودور الحزب الشيوعي السوري وتأثيره على نمو الوعي الطبقي لديها...
مع العلم بأنني انتسبت إلى الحركة النقابية في نهاية الثلاثينات.
ناضلت الطبقة العاملة السورية منذ نشوئها ضد الاستغلال الرأسمالي حيث قضت السيطرة العثمانية والغزو الاقتصادي للدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على كل إمكانية للتطور الصناعي الطبيعي في سورية، وخاصة بناء المعامل الكبرى، وذهبت جهود السوريين إلى بناء صناعة وطنية أدراج الرياح، بسبب فقدان الحماية الجمركية ونقص المواد الأولية والخبرة الفنية وعدم وجود نظام مالي متطور وسياسة السلطنة العثمانية المعرقلة لكل تطور صناعي، وطبيعة العلاقات الإقطاعية الشرقية التي ربطت البلاد بعجلة الرأسمالية الغربية وأخضعتها للضغط الاستعماري وكانت عوناً للرأسمال الأجنبي.
لقد صدر قانون تعطيل الأشغال العثماني /104/ الصادر في 22 رجب 1327 الموافق /1909/ الذي منع منعاً باتاً على المستخدمين والعاملين في المؤسسات الحائزة على الرخصة والامتياز القيام بمظاهرات أو القيام بأي عمل أو نشاط، فقد منع القانون المذكور تكوين النقابات في المؤسسات التابعة للرأسمال الأجنبي والحائزة على الترخيص أو الامتياز من السلطة التركية.
كما فرض القانون عقوبات بالسجن من أسبوع إلى ستة أسابيع مع الغرامة النقدية على كل من يكون نقابة أو يتسبب في تعطيل الأشغال أو يحرض على الإضراب، وألغى جميع النقابات التي تأسست قبل عام 1909/ في الشركات الأجنبية مثل /الخطوط الحديدية، والتراموي والكهرباء/
ووقف القانون آنذاك إلى جانب المستثمرين الأجانب ضد العاملين في الشركات الأجنبية التي عبرت آنذاك عن قلقها من تطور الأوضاع، ولا سيما قيام الطبقة العاملة بالمطالبة بحقوقها والحد من استثمار الرأسمال الأجنبي، وهذا القانون كان أحد العوامل التي وضعت للقضاء على أي إمكانية لتطور الحركة الجماهيرية التي تهدد النفوذ الأجنبي.
فالطبقة العاملة السورية لم تستطع قبل الحرب العالمية الأولى، وفي ظل غياب الصناعة الحديثة، وسيادة الإنتاج الحرفي والعلاقات الإقطاعية الشرقية، أن تكوّن نفسها كطبقة ولم تستطع أن تقوم بدور بارز في حركة التحرر الوطني قبل عام /1918/ بسبب تبعثر القوى المنتجة، أو بتأثير عوامل كثيرة لم تساعد على تطور وعيها الطبقي، وبالرغم من أن العناصر العمالية الوليدة لم تتمكن قبل الحرب العالمية الأولى من القيام بدور هام وحاسم في الأحداث الجارية إلا أنها رُفدت بعد /1918/ بالحرفيين وشكلتا قوة رئيسية من قوى الصدام داخل حركة التحرر الوطني. إن دراسة الأرضية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للمجتمع السوري في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ومعرفة تحركاتها ضرورية لفهم بداية تكون الحركة العمالية السورية في النصف الأول من القرن العشرين وهي ضرورية أيضاً لإدراك الخلفيات الأيديولوجية التراثية للحركة العمالية.
ـ فبعد انهيار الدولة العثمانية عام 1918 وتحرر العامة من العبودية للسلطان رأس السلطة الإقطاعية الشرقية العثمانية، هبت «العامة» المحتلة لطوائف الحرف والعمال من جديد للنضال تحت قيادة البرجوازية الوطنية الصاعدة ضد الاحتلال الفرنسي، مستلهمة تقاليدها الثورية السابقة في النضال ضد الاستغلال والظلم، فالحركة العمالية الناشئة في العشرينات قامت في عهد سيادة الإنتاج الحرفي ومفاهيمه الأيديولوجية، وعندما ترعرعت الحركة العمالية وأينع عودها احتفظت بحكم الاستمرار وبسبب بقاء النظام وعدم قيام ثورة صناعية مدمرة للنظام الإقطاعي تحل محل النظام الحرفي، احتفظت الطبقة العاملة بحكم هذه المؤثرات بكثير من العادات والأخلاق الحرفية وحافظت على تقاليد العامة ومثلها وتصوراتها وثوريتها.
ـ وخلال مرحلة الانتداب من عام 1920 ـ 1943 استخدمت الاحتكارات الفرنسية جهاز الدولة الانتدابي لفرض امتيازاتها وشروطها التعسفية واستثمار خيرات البلاد بالتعاون مع الفئات الإقطاعية القديمة، والتي خلفتها سياسة الانتداب وسياسة الباب المفتوح، حيث أدت إلى إغراق البلاد بالسلع الأجنبية، مما أدى إلى دمار عدد من الصناعات التقليدية في سورية ولكن النضال الوطني بوجهيه السلمي والمسلح أجبر المستعمرين على «السماح بإنشاء الصناعات الوطنية الحديثة التي أظهرت ملامح تكون الطبقة العاملة السورية وبدت تظهر بوضوح تدريجي حيث تمكنت الحركة العمالية من استصدار تشريع عام /1939 الذي أجاز تكوين نقابات خاصة بالعمال.
وجدت الكتابة عن البدايات لأنها الركن الذي أسس لوعي الطبقة العاملة السورية حيث دمج نضالها الوطني بنضالها الطبقي إذ تأثر وعيها الطبقي إيجابياً بعدة عوامل منها:
1ـ انعكاس ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وبناء أول دولة للعمال والفلاحين حيث ساهمت الثورة وبأشكال مختلفة بتعميق الوعي الطبقي عند الطبقة العاملة السورية.
2ـ نشوء الطبقة العاملة السورية ترافق مع نشوء الحزب الشيوعي السوري عام 1924 حيث سارا معاً يدعم كل واحد الآخر. فالحزب ساهم في تكوين وعي الطبقة العاملة وأسس أولى النقابات في بلادنا وشارك في نضالات الطبقة العاملة السورية وقادها كما شارك في الإضرابات دفاعاً عن حقوقها، إن تاريخ الحزب الشيوعي السوري مرتبط بتاريخ الطبقة العاملة السورية بشكل قوي فإذا ضعف الحزب ضعفت نضالات الطبقة العاملة.
3ـ لقد كان للحزب الشيوعي السوري الفضل في توضيح معالم الصراع الطبقي في البلاد، ولأول مرة تصدر وثيقة لحزب سياسي تحدد بشكل واضح بأن النظام الرأسمالي ليس مشيئة إلهية وحددت مفهوم النضال ضد الاستعمار وضد الاستغلال ولأول مرة تطرح المطالب التي تتعلق بحقوق الطبقة العاملة في سورية وأهمها تحديد يوم العمل بثماني ساعات ـ وربط الأجور بالأسعار ـ وإصدار التشريعات العمالية التي تتضمن الحقوق والواجبات للطبقة العاملة وإصدار نظام تأميني يشمل كل العاملين.
وكشف طبيعة الاستغلال المركب للطبقة العاملة السورية من قبل البرجوازية المحلية والبرجوازية الأجنبية على حد سواء وحدد معالم نضالها.
مع تحيات النقابي المخضرم