صالح بوزان صالح بوزان

لا بد من المكاشفة أولاً 2\2

تقو ل الافتتاحية في الخاتمة: (إن الوقت ما زال يسمح إذا ما استعادت هذه الأحزاب عافيتها أن تلعب دورها المطلوب منها في تطوير الحركة الجماهيرية والحياة السياسية في البلاد). وتتابع القول حتى النهاية بجملة جميلة: (ولكن تحقيق ذلك يتطلب جرأة في المراجعة، ونكران ذات في ا لمعالجة وشجاعة في التنفيذ. فمن سيكون على مستوى المسؤولية؟)

يتبادر إلى ذهني سؤال فيه شيء من الاستفزاز: هل فعلاً تستطيع هذه الأحزاب استعادة عافيتها؟ لدي قناعة أن الأحزاب الشيوعية التي تنتمي إلى القرن العشرين ستنتهي وأن القادة الذين عاشوا في ظل المظلة السوفييتية العالمية لن يستطيعوا تجديد أحزابهم الشيوعية، وذلك لسبب بسيط وهو أنهم جزء من الماضي الذي لا يستطيعون الخروج منه، فالحركة الشيوعية ستتجدد بفكر ماركسي متطور، وبقادة جدد لا ينامون على أمل عودة الاتحاد السوفييتي. ومن ناحية أخرى من هو ذلك الجريء الذي سيقوم بهذه المراجعة؟ فلو كانت هناك جرأة لدينا كقيادات أساساً، أكان يحدث ما حدث في تاريخ هذا الحزب.
لدي القناعة الكاملة أن البنية الأساسية في الحركة الشيوعية الراهنة في سورية هي بنية تكتلية، وكما أصبح معروفاً من تجربة الأزمات في الحزب الشيوعي السوري أن المتكتل ولأنه لا يجرؤ على المواجهة يعمل في الخفاء. وثانياً فهو لا يملك أخلاقاً حزبية نضالية ولذلك يلتجئ إلى التهم من وراء الكواليس، وثالثاً فهو يملك أخلاق اللصوص، ولذلك يعمل من أجل سرقة الحزب.
بتقديري إن مشكلة الحزب الشيوعي السوري أعمق بكثير مما نتصورها، فهو يعاني من أزمة بنيوية في الفكر والسياسة، وخصوصاً في التنظيم. فماذا تقول عن حزب كل قادته يمجدون النظام الداخلي لحزب، وهم أول من يدوسون على بنوده. فإذا كان الحاكم في العالم الثالث يصبح هو القانون، ألم نجد عندنا من يعتبر نفسه هو النظام الداخلي؟ وما قيمة هذا النظام الداخلي الذي تحاك الصفقات بعيداً عنه وراء الكواليس ومن ثم يتم التستر على هذه الصفقات المشبوهة بشكلانية تطبيق النظام الداخلي. ويجري الحديث عن ذلك بكل بونابرتية من قبل الذين طافوا على سطح قيادة الحزب، عن «الديمقراطية الواسعة» في الحزب أمام الرأي العام وأمام قواعد الحزب الذين لا يعرفون حقيقة قادتهم. لقد تبين أن أكثر الرفاق تشدقاً بالماركسية اللينينية وبالبكداشية كانوا أكثر انتهازية في الحزب قاطبة ولا أريد الإشارة إلى الأشخاص هنا، وأتمنى ألا أجبر على ذلك.
يجب الاعتراف بجرأة، أن كل فصيل شيوعي في سورية لديه شيء من الحقيقة، إضافة لدى الكثير الكثير من الأفراد الذين تركوا الحزب أو أبعدوا خلال الصراعات الحزبية. وإذا قام كل واحد منا بالمكاشفة، وأعلن عن أخطائه أمام الكادحين والشعب، وأمام تاريخ هذا الحزب قبل كل شيء، عندئذ يمكن توحيد الحقائق المتواجدة لدى الجميع في حزب شيوعي قادر أن ينتمي إلى الألفية الثالثة.
وفي الختام، أعتقد أن بناء حزب شيوعي يستطيع القيام بدوره الوطني والطبقي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الجماهير الكادحة والالتصاق بها مهما كانت المنعطفات. ولتحقيق ذلك لا بد أولا ًمن العودة إلى الأساس، إلى الفكر الماركسي منابعه، إلى الفكر اللينيني منابعه، دون راجيتات «وصفات» مبتذلة، والانطلاق من هذه القاعدة لتطوير الفكر وبناء الحزب الشيوعي الذي سيصبح من جديد ضمير عصرنا، وأوطاننا وشعوبنا.