من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية الشاملة
في الوقت الذي يتزايد فيه قرع طبول الحرب الإمبريالية ضد الشعوب، عقوبة لها على مواجهتها الأممية الباسلة ضد العولمة (الأمركة)، وفي الوقت الذي تتلاعب فيه ماكينة الإعلام الإمبريالية والصهيونية العالمية بالوعي الاجتماعي العالمي وتحول فيه الإرهاب الحقيقي ومصدره وأساسه ـ أمريكا ـ إلى «ضحية للإرهاب» بدل أن تدفع أمريكا الحساب جراء جرائمها ضد الشعوب، وفي الوقت الذي يعلن فيه البيت الأبيض ـ كما أعلن هتلر عام 1939 ـ عن تفرده بإعلان الحرب على كل من يخالف أمريكا الرأي أو يعيق هيمنتها على العالم وخصوصاً حركات التحرر العالمي التي تبلورت مجدداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من سياتل إلى جنوى حتى مؤتمر دوربان، في هذا الوقت بالذات تحيق ببلدنا سورية مخاطر جدية للغاية جراء ما يُرسم في الدوائر الإمبريالية والصهيونية العليا من مخططات تصفوية كونية لجميع حركات التحرر العالمي وضد حركة التحرر العربية بشكل خاص، التي حققت أكبر إنجازين في العقد الأخير ضد العولمة وهما تحرير جنوب لبنان والانتفاضة الفلسطينية التي تزداد صموداً ضد العدو الصهيوني.
في هذا الظرف العصيب على المستويين الإقليمي والدولي، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية الكبرى، ومن الدور الريادي الذي لعبته سورية تاريخياً في مواجهة الأحلاف العسكرية/ الاستعمارية والمخططات الإمبريالية الصهيونية، لابد من تحشيد كافة جماهير شعبنا في مواجهة الأخطار الماثلة أمامنا، عبر تعميق وترسيخ وتطوير الوحدة الوطنية الداخلية وعدم الخلط بين أمن الوطن الذي هو فوق كل اعتبار، وبين أمن الذين نهبوا الدولة والمجتمع معاً، وجمعوا ثرواتهم المعلنة والمخفية بدون وجه حق، وعلى حساب قوت الشعب والذين يتهربون الآن ـ عبر مواقعهم في الدولة والاقتصاد الوطني ـ من استحقاق التغيير الداخلي الذي تحدث عنه السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم.
وعندما أشار السيد رئيس الجمهورية في لقاءاته الصحفية عشية زيارته إلى باريس وألمانيا «بأن هناك من يعيق التطوير والتغيير ووصفهم بالانتهازيين»، فهمت جماهير الشعب ورحبت بهذه الإشارة الواضحة بأن العقاب سيطال أولئك المفسدين الذين يشكلون العمود الفقري للنهب والفساد عبر برنامج واضح ومحدد عماده الأساسي قوى السوق الرأسمالية الداخلية، المتحالفة مع البرجوازية البيروقراطية وامتدادتهما العالمية في سوق الرأسمال العالمي من أجل المساس بالسيادة الوطنية وفتح البلاد بلا قيود أو ضوابط أمام حركة الرساميل الأجنبية بعد تغيير جوهر النظام السياسي في البلاد كلياً.
إن وثائق حزبنا الشيوعي السوري، وخاصة ما جاء في المؤتمر التاسع قد وضعت العمود الفقري لبرنامج القوى الوطنية المعادية للبرجوازية الطفيلية وحلفائها أينما كانوا وهو يتمثل في الجانب الاقتصادي ـ السياسي منه بتحقيق نموذج اقتصادي للتطور يؤمن العدالة الاجتماعية وردم الهوة بين الأجور والأرباح التي لا يمكن تحقيقها إلا بضرب جذور النهب واجتثاثه. كما لا يمكن تحقيق كل ذلك إلا بإشاعة الحريات الديمقراطية في البلاد. وقد طرح حزبنا في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث، العناوين الرئيسية للبرنامج الديمقراطي المطلوب في الظروف الحالية وهو يستند إلى وقف العمل بالأحكام العرفية، وإصدار قانون الأحزاب وقوننة العمل السياسي وتطوير آليات عمل الجبهة الوطنية التقدمية وإخراجها من حالة الضعف وعلى مستوى كل حزب فيها، وإصدار قانون المطبوعات وحرية النشر المرتبطة به.
واليوم أكثر من البارحة يصبح إطلاق الحريات للجماهير الشعبية وقواها السياسية الوطنية ضرورة لابد منها لتعميق الوحدة الوطنية الشاملة.ومن هنا لا نرى الخطر فيما يطرح داخل المنتديات في سورية ونحن لنا رأينا حول بعض الأفكار الليبرالية الاقتصادية والسياسية البعيدة عن المنظور الطبقي، والتي تتعارض مع وجهة نظرنا الفكرية ومع ذلك لا نرى العلاج في اعتقال هذا المثقف أو هذا السياسي أو ذاك، فالعلاج الحقيقي هو طرح برنامج وطني شامل يعكس طموحات شعبنا في التقدم الاجتماعي والاقتصادي ويضع حداً للنهب الذي تمارسه البرجوازية الطفيلية بالتواطؤ مع البرجوازية البيروقراطية على حساب قوت الشعب والمصالح الوطنية العليا لسورية.. فالعقاب يجب أن يطال ناهبي قوت الشعب، الذين تسببوا في استفحال المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي نعيشها اليوم، والذين يقفون حجر عثرة بوجه أي تطوير أو تحديث لصالح الجماهير.
إن الأضرار التي سببها تحالف البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية لشعبنا ووطننا واقتصادنا الوطني والدولة هائلة لدرجة أنه لا يمكن أن تتم حولها أية مصالحة، والحل هو الاعتماد على الجماهير الشعبية وإطلاق الحريات الديمقراطية، السلاح الأساسي ليس في محاربة النهب والفساد فقط، بل أيضاً في ترسيخ الوحدة الوطنية الشاملة التي تجعل من سورية العربية عصية على الأخذ من الداخل أو من الخارج.