منبر الحوار الوطني.. من أجل قانون أحزاب عصري.. من أجل نظام انتخابي فعَّال ومتقدم

توالي «قاسيون» نشر المساهمات الواردة إليها حول قانون الأحزاب ونظام الانتخابات وهدفها في نهاية المطاف هو الوصول للأشكال التي تسمح بتفعيل الحياة السياسية في البلاد من أجل تنشيط الحركة الجماهيرية الوطنية في ظل الأوضاع الخطيرة التي تستهدف منطقتنا وبلادنا. والتي تتطلب حشد كل القوى لمواجهة المخططات الأمريكية الصهيونية.

ولا شك أن حواراً كهذا تشارك فيه أطياف سياسية عديدة ليس المطلوب منه الوصول إلى تطابق في الآراء حول كل شيء ولكنه يمكن أن يأمل بالوصول إلى قواسم دنيا مشتركة بين قوى ذات رؤى أيديولوجية وسياسية مختلفة. مما سيساهم  حتماً في توطيد الوحدة الوطنية.

لذلك فإن مناقشة الإطار العام لقانون أحزاب محتمل هو أمر ضروري كي يتعلم الجميع في الممارسة كيفية الاتفاق أو كيفية الاختلاف وكي يتعرف الجميع على بعضهم دون وسطاء، معيارهم في ذلك مصلحة الوطن في المعركة الكبرى التي تخوضها البشرية ضد قوى الشر المعولمة. كما أن إبداء الآراء حول نظام انتخابي فعال ومتطور سيساهم في تكوين التصور الأمثل لذلك النظام الذي يسمح بتفاعل القوى السياسية وتفعيل الحياة السياسية لإنهاء اغتراب قسم واسع من الجماهير عن العمل السياسي اليومي.

إن صفحات «قاسيون» ستبقى مفتوحة لكل القوى السياسية ولكل الآراء التي ترى أن الخروج إلى آفاق جديدة من التطور يتطلب اعتراف الكل بالكل على أرضية الوحدة الوطنية ودون إلغاء خصوصية الجزء ووجهه المستقل وحفاظه على حقه بالاختلاف والتميز على قاعدة الاحترام المتبادل.

تعديل النظام الانتخابي

المتبع في انتخابات مجلس الشعب يعيد الثقة للناخبين

وتحت عنوان: «من أجل نظام انتخابي فعال ومتقدم»  تتابع «قاسيون» هذا الملف مع  الاستاذ المحامي محمد عبد المجيد منجونة، الذي تناول النظام الانتخابي المتبع في انتخابات مجاس الشعب، باعتبار أن هذا النظام هو الأشمل في آثاره على قطاعات الشعب.. وأن الاستحقاق الانتخابي لمجلس الشعب قادم وقريب..

أولاً: اعتبر القانون المحافظة دائرة انتخابية واحدة / ماعدا دمشق وحلب / اللتين جرى فيهما فصل الريف عن المدينة وأعطى لكل منهما دائرة انتخابية.

إن جعل المحافظة دائرة واحدة، يلحق الضرر بصحة تمثيل الشعب وقدرة كل موقع على تحديد من يملك حقيقة تمثيل سكانه، كما يرهق المرشح الذي لايمكن أن يكون معروفاً ومتعاملاً مع سكان المحافظة كلها.. فهل يمكن أن يقرر مواطن في دوما أن المرشح في بلودان أو النبك هو الأفضل لتمثيله مع أنه لا يعرفه ولا يعلم عنه شيئاً قبل الانتخابات...؟؟ أو المواطن من منبج ومرشح من عفرين..؟؟ وهكذا بقية المحافظات.. وهل يمكن لمرشح مثلاً من قلعة المضيق أن يغطي بمندوبيه كل صناديق الانتخاب بمحافظة حماة أو درعا أو ريف دمشق أو حلب أو الحسكة..؟؟ ومن المفيد هنا أن نذكر أن المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 1949 كان ينص على أن كل منطقة إدارية دائرة انتخابية ولها عدد من المرشحين يتناسب مع عدد الناخبين وفق الجداول الانتخابية.. بحيث القرب الجغرافي يؤهل  الناخب ـ نسبياً ـ لانتقاء من يراه أفضل لتمثيله.

ثانياً: تنص المادة 12 من القانون الراهن على أن تنتخب كل دائرة عدداً من المرشحين يساوي عدد المقاعد المحددة والمخصصة لها مسبقاً، وهذا  يتنافى مع أوليات الديمقراطية. مما يقتضي إلغاء التحديد المسبق وتحديد عدد الأعضاء المنتخبين وفق عدد السكان ووفق ما تطور إليه هذا العدد حتى تاريخ الانتخاب.

ثالثاً: المادة 14 نصت على نسبة العمال والفلاحين في مجلس الشعب 50 % من مجموع مقاعده ولاتشترط هذه النسبة عند توزيع المقاعد بين القطاعين في الدائرة الانتخابية.

صحيح أمر توفير الظروف الموضوعية لمشاركة قطاعات الشعب المنتجة في العمارة السياسية وإعطائهم مواقعهم في المؤسسات التمثيلية الشعبية، إلا أن ذلك لابد أن يؤدي إلى تحقيق هذا الغرض.

ولكن في التطبيق، وبعد إدخال جميع فئات العاملين في الدولة، أتاح هذا للفئات العليا /الإدارية / أن تحتل مواقع ليست لها.. وكذلك أتاح للفئات البرجوازية الزراعية مستثمري الأراضي أو فئات عليا من المجتمع الريفي / مستغلين الأعمال غير المشروعة للحصول على ما يثبت كونهم فلاحين / ذات الأمر.

رابعاً: المادة 18 تحمل حكمين. الأول أجاز للوزراء الترشح  مع بقائهم في مناصبهم بينما والثاني الزم المحافظين وضباط الشرطة الاستقالة إذا رشحوا أنفسهم في الدائرة التي يعملون بها ـ والنص هنا بالنسبة لمحافظين وضباط الشرطة خطوة جيدة نحو إبعاد أصحاب النفوذ عن استغلال مناصبهم ـ إلا أن إتاحة الفرصة لهم للعودة إلى مواقعهم بعد الانتخاب سيدفع الناخبين / أصحاب الجاه والنفوذ / إلى التقرب منهم وتقديم كافة أشكال الدعم المعنوي والمادي لهم..؟؟

خامساً: المادة 20 سمت لجنة للترشيح مهمتها البت بطلبات الترشيح، ولجنة مركزية بالمحافظة وهما حسب تأليفهما مشكلتان من عناصر حزبية وهي بالتالي غير محايدة ـ وكثيراً ما أوقعت نفسها في تصرفات شابت العمليات الانتخابية السابقة ـ مما يدفع للشك في حيادها ـ ولابد هنا من الدعوة إلى تشكيل اللجنة المركزية من المحافظ والمحامي العام  وممثلي المرشحين.

سادساً: آلية الدعاية الانتخابية: رغم أن القانون نص على أصول الدعاية الانتخابية، إلا أن الواقع خلاف ما ذكر.. فمثلاً يجند عمال الدولة لخدمة قائمة الجبهة / السلطة وتوضع سيارات الدولة وجمعياتها ولجانها كي تحقق أكبر إمكانية لخدمة مرشحيها. كما توظف أجهزة الإعلام وبشكل مباشر وغير مباشر لهذا الأمر، مما يدعونا للمطالبة بوضع أجهزة الإعلام مجاناً تحت خدمة المرشحين بشكل متساو، وأن يمنع استخدام إمكانيات الدولة لخدمة مرشحيها.

سابعاً: المادة 27 جاء النص يشير إلى ضرورة تحديد مراكز الانتخاب وتعيين رؤوساء وأعضاء اللجان الانتخابية قبل يوم الانتخاب بأربعة أيام على الأقل.

هذا النص خلق إشكالات عديدة. ففي الدائرة الانتخابية الواحدة الحالية هناك الكثير من الصناديق ولا يكفي أربعة أيام أو أسبوع كي يقوم  المرشحون بتأمين مندوبين عنهم مع تأمين حاجات الانتخاب أو حاجات الناشطين معه والعاملين بالدعاية الانتخابية في تلك المراكز المنتشرة على مساحات جغرافية واسعة سواء لجهة السيارات والتنقل والمأكل والإقامة (إذا مدد الانتخاب).. إلخ وملاحقة الأحداث بالصناديق الانتخابية وهنا نعود إلى مسألة الدوائر الانتخابية وإشكالاتها والتي لابد من معالجتها.

ثامناً: تشكيل اللجان الانتخابية يتم من اللجنة المركزية للانتخابات بالمحافظة ومن العاملين بالدولة فقط (وهذا يترجم حالياً بأن أغلبيتهم العظمى من الحزبيين) ورغم أن النص يلزم اللجان بقسم اليمين أمام قاضي الصلح إلا أن ما يجري عملياً وهو جمع أعداد كبيرة منهم ودعوتهم لحلف اليمين بشكل مشترك وكثير منهم  لايقسم اليمين.

تاسعاً: الفقرة ب من المادة 33 تنص على أن يسلم  الناخب مغلفا ًموقعاً عليه من رئيس اللجنة ومختوماً بخاتم اللجنة، وهذا يعني أن كمية المغلفات غير محددة والتوقيع عليها وفق الحاجة ورؤية رئيس اللجنة.

وهنا ننوه إلى أن النص السابق كان يشير إلى أن المغلف يختم بخاتم المحافظة. حيث يصعب على رئيس اللجنة واللجنة استعمال مغلفات أكثر من عدد الناخبين إلا أن إلغاء الجداول وفتح الصناديق أمام كل المواطنين بدون تحديد ما هو الدافع لهذا النص.

ومما يجدر ذكره أن ثقب الهوية القديمة؟؟ المنصوص عليه بالفقرة ه من المادة 33 (ولاندري ما هو المقصود بالهوية القديمة) وهل هي الحالية فإن كان الأمر كذلك فإن وزير الداخلية يصدر التعليمات الخاصة بشأنها...

ونشير إلى أن الدولة عمدت إلى وضع بطاقة سمتها (بطاقة انتخابية) ويفترض في أن هذه البطاقة هي المعوّل عليها في الانتخابات ولاتستعمل لغير ذلك.. وأظن أنكم لستم ببعيدين عن بعض التصرفات التي جرت في خضم توزيع البطاقات مما يدفعنا للمطالبة بإصدار تعليمات مشددة باعتماد هذه البطاقة الانتخابية مع وضع ما يشير إلى إقدام المواطن على الانتخاب عليها بشكل يحول دون استعمالها مكرراً.

عاشراً: نصت المادة 42 على أن اللجنة المركزية بالمحافظة هي التي تتولى إعلان أسماء الفائزين بالانتخاب فور إنهاء إحصاء الناخبين في كل دوائر المحافظة، وعلى أن تنظم محضراً ترسله للوزير تعلمه فيه بالفائزين وعدد الأصوات التي نالها كل منهم.

هذا النص واضح الدلالة أن اللجنة المركزية الانتخابية بالمحافظة هي صاحبة الشأن في إعلان النتائج لكن ما يجري تطبيقه تحت ظل هذا القانون.. هو عكس ذلك.. حيث كثيراً ما منع المرشحون أو ممثلوهم من المشاركة في الإحصاء  النهائي  للأصوات.. واقتصر الأمر على اللجنة فقط ولم يعلن عن  النتائج بمجرد إنهاء اللجنة الفرز بل ترسل الأسماء إلى دمشق وكثيراً ما يعلن فوز إنسان دون أن يكون قد حدد من قبل اللجنة (رغم الأرقام والإحصائيات)!!

ما قدمناه ملاحظات تنصب على نصوص القانون الحالي ولكن لابد لنا من أن نضع بين يديكم عدة مسائل:

أولاً: إن المواطن فقد القناعة بجدية الانتخابات وأهميتها نتيجة التراكم التاريخي الذي زرعته الممارسات الجارية سابقاً وأفقدت الثقة بطهارة صندوق الانتخاب وصحة النتائج المعلنة.

ومن هنا فإن إعادة المواطن لممارسة حقه وواجبه الانتخابي يحتاج إلى مشجعات كثيرة تصدر من الدولة قبل بداية الانتخاب منها تحييد أجهزة الإعلام ووضعها في خدمة كل المرشحين وبرامجهم الانتخابية وإيقاف حالة الطوارئ والأحكام العرفية خلال فترة الانتخابات على الأقل (لأننا نتطلع إلى الخلاص من هذه الحالة نهائياً).

كما إجازة الأحزاب التي تعبر عن قطاعات شعبية حقيقية (لاهياكل وأسماء مفرغة من كل شيء) وإعطاء هذه الأحزاب فسحة كافية لتمارس نشاطها وتطرح برامجها وتشكل هياكلها كي تصبح مالكة لقدرة الدخول إلى المعركة الانتخابية.

و كذلك ابتعاد الدولة وأجهزتها عن التدخل المباشر وغير المباشر بالعملية الانتخابية واختراق النتائج بما يخدم أصحاب العلاقات من المرشحين بمراكز السلطة والنفوذ.

ثانياً: ولعل المدخل لكل ذلك والمجدي الآن والمساهم المباشر في السير خطوات على طريق إعادة الثقة  للمواطن بأهمية مباشرته لواجبه وحقه الانتخابي هو تعديل قانون الانتخاب بحيث يتم تلافي المآخذ التي أشرنا إليها.. ومن أهمها:

1. إعادة النظر بتوزيع الدوائر الانتخابية وجعل كل منطقة إدارية ـ على الأكثر ـ دائرة انتخابية واحدة كي يتسنى للمرشحين تغطية دائرتهم بنشاطاتهم ووفق  إمكانيات مقبولة. لأن إبقاء الدوائر الانتخابية على وضعها الراهن سيعني أن السلطة وحزبها والمرشحين الذين تقبلهم معها هم وحدهم الذين يملكون الإمكانيات لخوض معركة  المعركة؟؟!

2. إلغاء الصناديق المتنقلة؟؟ وهي وسيلة غير قانونية ولا ديمقراطية،ومن المؤسف أن تلجأ السلطات لها لأنها شكلت وسيلة ضغط مباشرة على الناخبين في مواقعهم لانتخاب مرشحي السلطة.

3. إلغاء الصناديق في الدوائر والمؤسسات لأنها تضع الناخبين أمام حالة تؤثر على إرادتهم لذلك فإن جعل يوم الانتخابات عطلة رسمية، أو بإجرائها في يوم عطلة. سيمكن الناخب من التقدم للانتخاب بإرادته وبحرية كاملة.

4. العودة إلى الجداول الانتخابية والتقيد بأسماء الناخبين الواردة فيها وتحديد عدد نواب كل دائرة انتخابية على ضوء عدد السكان.

5. طي ملفات الثمانينات ورفع الحجر المدني والسياسي الموضوع  على السجلات المدنية لعدد كبير من الناشطين اجتماعياً وسياسياً وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين كمقدمة لابد منها تشير إلى توفر نوايا جدية لإزالة الاحتقانات وحلحلة الإشكالات و القضايا الإنسانية التي مازالت عالقة وكذلك إلغاء القيود على عودة كل المغادرين لأسباب سياسية.

6. تأمين مساعدات مالية متساوية لمن لا يملك القدرة المالية ولكنه يملك الأهلية والثقة والخبرات كي يتقدم إلى السلطة التشريعية.. ليقدم ما يفيد الوطن مع وضع ضوابط دقيقة لهذه المعونة..

وفي الختام: أعتذر عن إطالتي للبحث، ولكن هذا قدري أمام هكذا موضوع.

 

إننا جميعا ًمطالبون بالتقدم إلى ساحة العمل الوطني بكامل تجلياته وإشكالاته.. وبعقول مفتوحة وقلوب خالية من أدران ما مضى، ولنحمل هم الوطن والمواطن والأمة معاً.. ونواجه كل العقبات والمعطيات بإرادة التغيير نحو الأفضل وبرغبة تحقيق التراكم التصحيحي لمصلحتهم ومن أجل إقامة عمارة سياسية ديمقراطية.. عمارة يسود فيها القانون ومجتمع تتحقق فيه لكل مواطن الكفاية والعدل. وصحيح أن الطلب نتوجه به إلى السلطة القائمة السياسية والحكومية.. ونطالبها بفتح آفاق التغيير والتصحيح السياسي ونطالبها بفعل ذلك اليوم قبل الغد، لأن الزمن في هذه المرحلة عامل مهم ولايجوز التهاون به وبآثاره، ولكننا وفي الوقت نفسه نطالب أنفسنا أن نتقدم لمواقع الجماهير وهمومها ومعاناتها وأن نسعى كي نفرز من داخلها وبجو ديمقراطي كامل قياداتها التي تعبر رعن همها وطموحاتها وتتصدى تحت رايات المشروع النهضوي العربي، للمشروع الأمريكي ـ الصهيوني ـ الإنكليزي وتواجه محاولاته لاكتساح الأمة وجوداً وحاضراً ومستقبلاً.                                            ■■