هكذا يكون الوفاء قال جان جوريس:
«إن الوفاء للأسلاف لا يعني الاحتفاظ برمادهم، بل بحمل الشعلة التي أوقدوها»
في هذه الأيام، إذ تمر الذكرى الـ 78 لتأسيس حزبنا الشيوعي المجيد، الذي قطع مسيرة نضالية شارك فيها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، يأتي الوفاء لهذه الذكرى الغالية بشكل جديد لم يعهده الشيوعيون من قبل، فلا خطب تمجد الماضي وتتأسى على الحاضر، ولا كلمات تحيي السلف وتبكي على أطلالهم، بل ببساطة جاء الوفاء على شكل خطوة عملية تنادى لها عدد ليس بالقليل من الرفاق لتمجيد ذكرى أولئك الذين عبدوا الطريق وحملوا الراية وقدموا التضحيات الجسام من أجل إعلاء مُثُل الحرية والعدالة وكرامة الوطن والاشتراكية.
أقول جاء الاحتفال بشكل جديد: إنه الاجتماع الوطني من أجل وحدة الشيوعيين السوريين الذي تُوِج بنداء حاول أن يعكس روح ذلك اللقاء الذي كان مفعماً بالمشاعر والأفكار والطموحات الوحدوية.. والذي دعا للنضال الجاد والمُلِح من أجل الخروج من حالة الأزمة المتمثلة في الانقسام الذي أصاب حزبنا عقوداً طويلة وعرقل مساهمته الجدية في حل قضايا ومشكلات الشعب والوطن..
لعلني أشاطر كثيراً من الرفاق اعتقادهم الذي يقول: إن حزباً شيوعياً موحداً هو وحده القادر ـ بالتعاون والتحالف الصحيح مع كل القوى الوطنية على الساحة السورية ـ على التصدي للعدوان الأمريكي ـ الصهيوني الذي يهدد مستقبل وطننا وأمتنا، والقادر على النضال الحقيقي من أجل تحقيق الأهداف والطموحات الشاخصة أمام شعبنا ووطننا والمتمثلة بالنهضة بمفهومها الشامل المعتمد على الديمقراطية والإصلاح والتنمية وتحرير الجولان والعدالة الاجتماعية..
ولعلني لا أضيف جديداً على ماقالته المداخلات والمناقشات التي سادت «اجتماع الوفاء» عندما أؤكد بأن الشيوعيين السوريين ـ أينما كان موقعهم ـ لا يختلفون على ضرورة الوصول إلى الحزب الشيوعي الموحد المبني على أساس الديمقراطية في حياته الداخلية، الحزب الذي يحترم التعددية ضمن الوحدة، والذي يقر مبدأ تداول السلطة الحزبية وتسوده الروح الرفاقية ويتحلى أعضاؤه بالأخلاق الوطنية الثورية وبروح التضحية ونكران الذات.. الحزب الذي يستند إلى الماركسية ـ اللينينية ويعمل صادقاً على إعادة إنتاجها وطنياً من أجل تطبيقها تطبيقاً خلاقاً على ظروف الوطن.. نعم.. إن حزباً كهذا سيلغي إمكانية إعادة أنتاج الأزمة التي مازالت تعرقل مسيرتنا منذ عقود..
ومن منطلق الحوار الديمقراطي قد اتفق مع بعض الرفاق وقد اختلف مع البعض الآخر وأقول إن استمرار الأزمة في حزبنا طويلاً.. يفرض علينا دراسة تجربة الماضي، لأخذ العبر والدروس منها حتى لا تتكرر الأخطاء.. نعم أتمنى أن يستطيع الشيوعيون دراسة تجربتهم والاستفادة منها، ,من منطلق الحوار أيضاً. لست ممن يميلون لتحميل المسؤولية، عما جرى، لشخص أو عدة أشخاص أينما كان موقعه أو موقعهم، بل أعتقد أن الجميع مسؤولون بهذه الدرجة أو تلك، ولعل المسؤولية الأساسية تقع على عاتق النسق الفكري المغلق الذي كان سائداً في الحركة الشيوعية، وحزبنا منها، طوال المرحلة السابقة... وعندما حدث انهيار التجربة الاشتراكية، وُضِع الشيوعيون في كل العالم أمام مهمة إعادة قراءة الواقع الوطني والعالمي، لوضع إجابات صحيحة على أسئلته، فإلى أي مدى سيساهم الشيوعيون السوريون في صياغة تلك الإجابات؟؟ أعتقد أننا سنكون قادرين أكثر عندما نبني الحزب الموحد.
وإذا كانت النقاشات قد أكدت على أن طموح كل قواعد الحزب وكوادره ـ في التنظيمات الرسمية أو خارجها ـ يلتقي على ضرورة العمل الجاد من أجل الوحدة، إلا أنها أكدت أيضاً على أن اللقاء الوطني، الذي ضم لجان التنسيق الوحدوية في المحافظات، لا يدعي تمثيل جميع الشيوعيين السوريين، ولايسعى للتحدث باسمهم..
لقد ظهرت رغبة عند بعض الرفاق المشاركين في الاجتماع في اتجاه بلورة أفكار وتحديد أطر للحزب المنشود إلا أن الاتجاه العام أكد على أن تكون مهمة الاجتماع الأساسية هي الدعوة لإطلاق حالة الحوار والنقاش الديمقراطي حول تلك المسألة، وترك مهمة تحديدها ـ وأقصد تحديد الأفكار والأطر ـ للشيوعيين السوريين جميعهم، وهذه هي بالضبط نقطة القوة غير المسبوقة التي سجلها الاجتماع الوطني لوحدة الشيوعيين إذ أنها جاءت تعبيراً عملياً وملموساً عن بدء الممارسة الديمقراطية للحوار واحترام الرأي الآخر.
أسمح لنفسي أن أبتعد قليلاً أو كثيراً عن مفردات «النداء» فأقول: إنني أحمل مسؤولية العمل الجاد من أجل الوحدة لكل رفيق أينما كان موقعه، ولكنني أضع الجزء الأكبر منها على عاتق الرفاق المسؤولين في القيادات الرسمية لأنهم يستطيعون ـ إذا أرادوا ـ أن يساهموا بإشاعة ثقافة وحدوية في مؤسساتهم الحزبية تكون بديلا ًعن الثقافة الفئوية النافية للآخرين..
ولأنهم يستطيعون ـ إذا أرادوا ـ أن يتخذوا خطوات عملية جديدة باتجاه التوحيد..
وأخيراً.. أعتقد أن الخطوة العملية التي خطاها الاجتماع الوطني لوحدة الشيوعيين والتي هي إطلاق حالة الحوار والنقاش الديمقراطي بين الشيوعيين جميعاً من أجل أن يتوصلوا إلى رؤية مشتركة حول شكل ومضمون الحزب الذي يطمحون إليه هي بالتحديد تحية الوفاء للذكرى الـ 78 لتأسيس حزبنا الشيوعي السوري المجيد، والتي ربما تكون دافعاً لنا لأن نعود «لحمل الشعلة التي أوقدها الأسلاف»
■ السويداء ـ فارس هنيدي