في ذكرى النكسة محكومون بالانتصار.. وما يجري هو بداية التاريخ!

... كان من عادة أجهزة الإعلام العربية وكتّابها ومحلليها تناول نكسة الخامس من حزيران في موعدها المحدد، وتحويل المناسبة إلى «مندبة» عاطفية ومحاكمة الضحايا من العوام وتبرئة النظام الرسمي العربي ومن يغذيه ويعطيه المدد من خارج الحدود من المسؤولية عن الهزائم. وبذلك كانت تتحول ذكرى عدوان حزيران إلى وجبة تعذيب سنوية للرأي العام في منطقتنا هدفها الإحباط وتشويه الحقائق وقصف العقول دون استخلاص العبر والدروس المستفادة أو كيفية الانتقال إلى حالة الهجوم المعاكس.

... اللافت هذا العام أن «الاحتفاء» بذكرى العدوان من قبل الجوقة والأدوات ذاتها، وبالمضمون ذاته، جاء مبكراً، أي قبل أسبوع عن موعد الذكرى، وبغزارة نيران وأمطار حامضية أكثر من سابقاتها بكثير، حيث انهال بعض الكتاب والمحللين ومن يسمون «بالباحثين الاستراتيجيين»، سواء في الصحف أو في الفضائيات (وما أكثرها)، بطرح مقولاتهم المدروسة لتوطين ثقافة الهزيمة في نفوس شعوبنا مع الاستبعاد المتعمد لخيار المقاومة وثقافة المواجهة والإرادة السياسية في الصراع.

إن نكسة عام 1967 وقبلها نكبة 1948 وما تلاهما من هزائم عسكرية أو اجتماعية ـ اقتصادية، هي نتاج طبيعي لمضمون النظام الرسمي العربي، الذي تم استيلاده بعد مرحلتي الحرب العالمية الأولى والثانية بما يتوافق مع توازن القوى الناتج عن هاتين الحربين.

إذا كانت أنظمة التعليم والمؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في العالم العربي قد مارست عن عمد ولسنوات طويلة سياسة تجهيل الأجيال الناشئة بحقائق الأمور حول المناخ الذي ظهرت فيه ما سمي بالثورة العربية الكبرى (على قاعدة مراسلات حسين-مكماهون) بالتوازي مع المفاوضات السرية بين فرنسا وبريطانيا (سايكس-بيكو) لتقسيم التركة بعد العثمانيين، فإن أخطر ما تواجهه شعوب منطقتنا اليوم هو استخدام المسؤولين عن الدعاية السياسية في النظام الرسمي العربي للوسائل السمعية والبصرية المتطورة، ليس فقط من أجل تعميم ثقافة اليأس والإحباط وجلد الذات، بل لتحميل ضحاياهم (الجماهير) مسؤولية التخلف والهزيمة دون أي اعتراف بأن الشارع الشعبي الذي كان دائماً بين مطرقة الاستغلال الداخلي وسندان التدخلات والحروب الخارجية هو من دفع ضريبة الدم دفاعاً عن الوطن، وهو من وضع المعايير الأساسية للكرامة الوطنية منذ مطلع القرن العشرين، وهو صاحب الفضل في رفض الاستسلام بحجة الخلل في ميزان القوى. لذلك، فإن أي حديث عن النكسة والاحتلال الصهيوني لفلسطين والجولان، وعن الاحتلال الأمريكي للعراق أولاً وغيره من البلدان لاحقاً، بعقلية «العين لا تقاوم المخرز» وغيرها من «نظريات المساومة» هو مضيعة للوقت ويفضي إلى «نكسات» جديدة تطيل أمد الصراع بين شعوبنا من جهة وبين التحالف الامبريالي-الصهيوني.

نقول للمصابين بعمى البصر والبصيرة ما قاله محمد حسنين هيكل بأن «الغدر بالنصر الذي كان في مدى اليد في حرب تشرين هو الذي اصطنع الهزيمة» وقد أفصح عن جوهر هذا الغدر السادات المقبور لاحقاً عندما قال باسم النظام الرسمي العربي «إن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد إسرائيل» وبعد ذلك توالت تباعاً هزائم الحكام من كامب ديفيد إلى سجن سلطة الحكم الذاتي في رام الله!

...وإذا كان آخر الليل نهاراً، فهو سيكون بفضل خيار المقاومة المعمد بدم الشهداء الأبطال أمثال سليمان الحلبي، ويوسف العظمة وعز الدين القسام وجول جمال وعبد المنعم رياض وغيرهم الآلاف من شهداء فلسطين والجولان ولبنان والعراق وبقية بلدان المنطقة!

ما بين نكسة 5 حزيران 1967، وانتصار المقاومة الوطنية والشعب اللبناني على العدو الصهيوني في 14 آب 2006، 39 عاماً، لم تخمد فيها رغبة شعوبنا في المواجهة وتحرير الأرض واستعادة الكرامة الوطنية، وانتزاع زمام المبادرة من أيدي النظام الرسمي العربي الذي يقوده الآن ما يسمى «بدول الاعتدال العربي» فاقدة الإرادة والكرامة.

إننا محكومون بالانتصار، وما يجري هو بداية التاريخ، سلاحنا الإرادة وثقافة المقاومة كما فعل أسلافنا العظام في هذا الشرق العظيم!

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:39