كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيفنا لهذا العدد الرفيق شريف سعدون .
الرفيق المحترم أبو خالد: كيف أصبحت شيوعياً؟
أنا من مواليد الدرباسية بمحافظة الحسكة عام 1941، والدي من أصل أرمني، نجا من مذابح الأرمن التي قتل فيها أهله، لكنه تعرض للخطف، ومن ثم للبيع، ليعيش بعدها حياة تعيسة، وليعمل في ما أتيح له من أعمال (سقي _ جمع حطب _نقل خضار إلى ماردين.. الخ)، وبعد زواجه سكن في قرية القرمانية، ثم انتقل للعيش في الدرباسية.
أنهيتُ تعليمي الابتدائي عام 1953، وتابعت الدراسة الإعدادية بعد سنتين لعدم وجود مدرسة إعدادية في بلدتي، فدرست في الحسكة إلى جانب عملي بمهن مختلفة (بائع خضار _ عامل بناء سائق جرار ....الخ)، وكنت متفوقاً في دراستي أيضاً .
أما عن تعرفي على الشيوعية، فكان عن طريق أخي جميل الذي كان شيوعياً منذ عام 1948، وقد انتسبت للحزب أثناء دراستي في دار المعلمين، واستطعت حينها تنظيم عدد من الطلاب الذين كانوا يدرسون الإعدادية بمدارس خاصة..
عُيّنتُ بعد تخرجي في قرية (قرِّة) لمدة ثلاث سنوات، خلالها وبسبب شيوعيتي لم يوافقوا على نقلي إلى منطقتي. وفي عام 1965حصلت على الشهادة الثانوية أثناء دراستي في دار المعلمين، وتابعت تحصيلي العلمي في كلية التاريخ.
ومن ذكريات فترة الخمسينيات التي كانت حافلة بالعمل السياسي، مشاركة الحزب بنشاطات متنوعة، منها على مستوى منظمة الجزيرة المهرجانات الخطابية التي تزامنت مع أحداث سياسية هامة مثل تأميم القنال والعدوان الثلاثي على مصر. ومن الهتافات التي مازلت أذكرها «يا جمال ويا جمال.. لا إسترليني ولا دولار.. يا مؤمم القنال». وفي عام 1956 أقامت القوى الوطنية في الدرباسية احتفالاً تضامنياً مع الثورة الجزائرية ألقيت فيه العديد من كلمات الدعم والتأييد، وفي عام 1957 كان رفاقنا يتسلمون زمام المبادرة في المقاومة الشعبية التي كان حزبنا صاحب الفكرة بقيامها، وأذكر يومها أن ضابطاً كان يوزع السلاح على المتطوعين، فحصلت على بارودة تشيكية، بينما حصل أخي على رشاش، وتابعت التدريب والاستعداد مع رفاقي للقيام بواجب الدفاع عن الوطن. وفي عام 1973 شاركت في حرب تشرين، ونلت وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، ووسام 6 تشرين. لقد كنت معروفا بأنني شيوعي دون أن أعلن عن انتمائي، وكانوا ينادونني (بخالد الصغير).
على الصعيد الحزبي عملت بهيئات مختلفة: عضو فرعية، ثم سكرتير فرعية، ثم عضو منطقية، وحضرت مؤتمرات الحزب (السادس والسابع والثامن)، وكان لي شرف التوقيع على ميثاق شرف الشيوعيين السوريين مع رفاقي، وحضرت المؤتمر الاستثنائي للحزب في (18-12-2003) ومازلت متابعاً.. وبالمناسبة فأنا أشكر زوجتي (أم خالد) وأشيد بدورها في دعمي ومساندتي بتكوين عائلة شيوعية حيث يتابع أولادنا العمل من بعدنا..
وأود هنا أن أقول: إن العمل السياسي يحتاج إلى تربية كوادر مثقفة، علماً أن التثقيف الحزبي على ضرورته كان يعاني فيما مضى من التقصير، فالبرامج الثقافية لم تكن تنفذ بسبب العامل الاقتصادي، فمن ناحية كان الكثيرون يعتمدون على العمل الموسمي ويعانون من عدم الاستقرار المعيشي ومن الهجرة المتواصلة. ومثال على ذلك أن ثمانية وعشرين رفيقاً غادروا بلدتنا إلى المدينة بين عامي 1969 -1970، ومن ناحية أخرى كانت الدورات المركزية ضعيفة، بينما في ظروف أصعب كان العمل أفضل، فمثلا عام ً1958 أتذكر أنه تم تعيين ثلاثة مدرسين شيوعيين من خارج المحافظة، وهم الرفاق عبد الكريم مناع، وشهدت صدقني، وأحمد حبيب، في منطقة رأس العين، وقد استفادت منهم المنظمة كثيراً، حيث أحضروا معهم كراسات، وكانوا يمررونها من بيت إلى بيت ليدرسها الرفاق، كذلك كانوا يعقدون اجتماعات موسعة لتثقيف الرفاق، ولا شك أن مسألة الكادر والتثقيف مسألة هامة يجب بحثها بكل جدية، مع أهمية مسألة العمل بين الطلاب، هذا القطاع الهام الذي منع الحزب من التوسع فيه.
وفي الختام أقول: إن وحدة الشيوعيين السوريين لم تعد فقط مجرد رغبة ومطلب لكل شيوعي يعز عليه الحزب وتاريخه، بل أصبحت ضرورة يفرضها الواقع الموضوعي، لأن بقاء الحزب بحد ذاته مرتبط بها. وأخيرا أشكر صحيفة قاسيون على مبادرتها بإفساح المجال أمام الرفاق للحديث عن تاريخهم وتاريخ حزبهم، وأتمنى أن تكلل هذه الخطوة الهامة برص صفوف الرفاق، وكتابة تاريخ الحزب كاملاً اعتماداً على مصادر تتسم بالموضوعية والدقة، ليتسنى للأجيال الشابة الاطلاع عليه ودراسته والاستفادة من التجارب الغنية والمواقف الجريئة والتضحيات العظيمة التي سطرها الرفاق في كل ميادين النضال الوطني والطبقي.