متطلبات الصمود والمواجهة
صمود سورية، منذ سنوات وحتى الآن، في وجه المخطط الأمريكي الصهيوني لتنفيذ الشرق الأوسط الكبير، عرضها لتهديد من خطرين هما: التهديد الأمريكي الصهيوني بالعدوان العسكري المرتقب في أية لحظة، وتهديد ما يسمى بالمعارضة الخارجية وذيولها الداخلية، التي تستقوي بالخارج، وتنفذ أهدافه، وتعلن جهاراً عن أهدافها وطموحاتها.
هذان التهديدان، كانا يفرضان على الحكومة، تبني سياسة المواجهة والصمود، واقتصاد الحرب، فهل اتخذت التدابير الضرورية، لدرء خطرهما عن البلاد؟
الخطاب السياسي العام، يقر بمبدأ المقاومة والصمود، لكن سياسة الحكومة وتوجهاتها الليبرالية وقراراتها، أدت إلى نتائج عكسية تماماً للخطاب السياسي، كأنها تسهل هدف أصحاب التهديدين، بخلق فوضى في البلد، وعزل النظام عن الجماهير التي تلتف حول موقف صموده.
إن التوقيت الحرج زراعياً في أوائل أيار لإصدار الفريق الاقتصادي قرار رفع الدعم عن المازوت، يشكل جريمة بحق اقتصاد البلد، لما سببه له من خسائر ملايين أطنان القمح، ومئات ألوف أطنان القطن، وكذلك جريمة اجتماعية بحق الجماهير الشعبية التي قذفها إلى مهاوي الفقر والجوع والحرمان والجريمة والدعارة..
الفلاحون الذين يشكلون الشريحة الاجتماعية الأوسع التي يستند إليها النظام، تعرضوا لخسائر فادحة نتيجة قرار رفع الدعم عن المازوت، وأجبر عشرات ألوف العائلات الفلاحية، على هجرة قراهم وأراضيهم، إلى المدن أو البلدان المجاورة، بحثاً عن لقمة العيش المرة التي عزت عليهم في ديارهم، هرباً من غائلة الجوع. بل إنهم يعرضون أراضيهم التي كانت منبع الخيرات والثروات، للبيع بأبخس الأثمان، لكن لا أحد يتجرأ ويشتريها.
وأيضاً الطبقة العاملة السورية، تعيش حياة تعيسة من الفقر والعوز والحرمان، بسبب البطالة المتفاقمة وتدني الأجور، وهي ناقمة على قرار رفع إعادة توزيع الدعم الذي طالما عارضته كثيراً، وعلى المواقف العدائية لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي تحاول تهميشها ووضع مصيرها بيد الرأسماليين.
أغلبية الموظفين في الدولة ـ من غير أبناء الست ـ مستاؤون من تدني مستوى معيشتهم، الذي تردى إلى أكثر مما كان عليه قبل زيادة رواتبهم 25 %. وحتى الشرائح المتوسطة من البرجوازية الصغيرة، لم تنج من آثار هذا القرار الجائر، الذي عضها بنابه، ودفعها إلى صفوف المتذمرين والمستائين، فهل هذه النتيجة هي لمصلحة مقاومة التهديدين سابقي الذكر، أم أنها تصب الماء في طاحونتهما التآمرية، طالما يمكن استغلال الاستياء الجماهيري وتجييره لمصالهما.
إن أحداث الشارع أثبتت بأن أجهزة الدولة وحدها، عاجزة عن رد أخطار العدوان التي تهدد الوطن، دون الدعم الشعبي الجماهيري العام، وإلا لكانت أجهزة صدام القمعية، أنقذت نظامه من الانهيار.
أيها المسؤولون، انزلوا من أبراجكم العاجية إلى الشوارع، لتحسوا بآلام الشعب ولتروا بأم أعينكم، أن التذمر والاستياء واليأس والحصار ومشاعر الضغط تكاد أن تخنقه. فالضغط يولد الانفجار العفوي في بدايته، والضرورات تبيح المحظورات. لأن حياة العوز والحرمان والجوع الكافر، تدفع من يعانيها إلى الاستهتار بكل الأعراف والتقاليد والقوانين المرعية وحماتها.
إن الرجوع عن قرار رفع الدعم عن المازوت، فيه تصحيح لنتائجه الكارثية التي خلفها بحق الوطن والمواطن.
وإن تحصيل التهرب الضريبي من القطط السمان، ومنع تهريب المازوت، الذي لا يستطيع أن يقوم به الصغار، كفيلان بتغطية مالية، أكثر مما توفره الدولة من رفع الدعم عن المازوت.
أيها المسؤولون، التفتوا إلى وضع الشعب المأساوي، وإلى الأخطار التي تهدد الوطن. إن تحسين وضع الشعب المعاشي، كفيل بتقوية مناعة وصمود وطننا الحبيب في وجه جميع الأخطار التي تتهدده.