الافتتاحية: هل للإصلاح آجال؟

 

ما هي طبيعة الإصلاح الضروري في سورية اليوم؟ ما يزال النقاش حول هذا الموضوع مستمراً، فالبعض يرى أن الإصلاح يجب أن يكون سياسياً أولاً، والبعض الآخر يرى ضرورة الإصلاح الاقتصادي أولاً، وآخرون يرون أن الإصلاح الاقتصادي لن ينجح دون إصلاح إداري في بادئ  الأمر..

وفي الواقع الملموس تتعقد الأمور، ولا تعطي الإجراءات الجارية النتائج المطلوبة المعلن عنها عند اعتمادها، بل تعطي في أحيان كثيرة نتائج معاكسة. فالتطور الاقتصادي يتعثر وينعكس سلبياً على مستوى معيشة الجماهير الشعبية الواسعة.. هذه هي النتائج حتى اليوم، ما يتطلب وقفةً ومراجعةً وتدقيقاً وإعادة تحديد لرؤية الإصلاح نفسها..

إن كل منظومة سياسية- اقتصادية- اجتماعية بسبب مواجهتها لتعقيدات الحياة وما تطرحه من جديد، بحاجة دائمة إلى إصلاح مستمر كي تتوافق مع متطلبات الواقع وتكون قادرةً على معالجته بشكل فعال.. والأمر كذلك، فإن الإصلاحات الجزئية المستمرة على المنظومة القائمة هي ضرورة موضوعية، وتكسبها حيوية دائمة وقدرةً على الحياة..

ولكن إذا حدث لسبب أو لآخر، تأخر في إدخال الإصلاحات الجزئية المطلوبة في حينها على أية منظومة، يجري تراكم للمشكلات غير المحلولة والمؤجلة- وفي هذه الحال سيتطلب الأمر جمع الإصلاحات الجزئية السابقة والمؤجلة في حزمة واحدة، ما سيتطلب إصلاحاً شاملاً يفرض تكوين رؤية لمعالجة شاملة يمكن أن تبدأ من هنا أو هناك، ولكن سيكون هدفها الوصول إلى الحل الشامل لكل المشكلات، الأمر الذي يستدعي ربط الحلول الجزئية بعضها ببعض، بحيث يستدعي الواحد منها الآخر، وهكذا دواليك إلى نهاية السلسلة..

والأمر الذي يجب توضيحه، هو أن الإصلاح الجزئي أو الشامل هدفه معالجة خلل وظيفي جزئي أو شامل، ولكن السؤال هو: إذا ما تأخر الإصلاح الشامل فما بديله؟ إن الخطر يكمن بهذه الحالة في أن التأخر بمعالجة الخلل الوظيفي سيحوله مع الوقت إلى خلل عضوي، وحينها لن يفيد في معالجته حتى الإصلاح الشامل، ما سيتطلب إصلاحاً جذرياً، وهو عادةً صعب ومكلف ومؤلم بالنسبة للمجتمع والدولة. والأسوأ أنه تنشأ حينها إمكانية عدم التحكم به ما قد يخلق ردة حقيقيةً إلى الوراء.. فمفترق الطريق الذي تفتحه ضرورة الإصلاح الجذري يحمل في آن معاً إشارة السالب والموجب، وتحقيق أحدهما حينها، لن تحله فقط المعادلات الداخلية للمنظومة، وإنما ستلعب الإحداثيات الإقليمية والعالمية دوراً هاماً في حلّه..

لذلك نعتقد أن الآجال ليست مفتوحة بشكل مطلق أمام الإصلاح، وهذه الآجال يتحكم بها من جهة نضج المشكلات الداخلية ونضج استحقاقات حلها، ويتحكم بها من جهة أخرى، تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي التي هي اليوم ليست بأحسن حال بحكم ازدياد شراسة الهجمة الإمبريالية الأمريكية- الصهيونية، بسبب الهزائم المتتالية التي تمنى بها..

ومن نافل القول اليوم إن الإصلاحات الجزئية قد تجاوزها الزمن، وأكبر دليل على ذلك- عبر التجربة- عدم قدرتها على حل أية مشكلة أعلنت أنها تسعى إلى حلها..

ولكن حرصنا على نجاح الإصلاح المطلوب من الشعب السوري، والذي يجب أن يكون اتجاهه الرئيسي: نمواً عالياً، وعدالة اجتماعية، وتحقيق أكبر دور ممكن للمجتمع في حياة البلاد عبر توسيع الحريات السياسية.. كل هذا يدفعنا للقول اليوم: إن الإصلاح الشامل السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي- الإداري، هو ضرورة حيوية لمواجهة الضغوطات الأمريكية – الصهيونية المختلفة وألاعيبها المتنوعة، ولكن نجاح هذا الإصلاح نفسه مرتبط بنوعية الخلل الذي إن تحول بسبب استمراره إلى عضوي، فلن ينفع معه حينذاك حتى الإصلاح الشامل، مع كل المخاطر والاحتمالات التي يفتحها واقع موضوعي جديد..

إن السياسات الاقتصادية المتبعة أصبحت مشكلة بحد ذاتها، فعوضاً عن قيامها بمعالجة الخلل الوظيفي القائم، عمقته ووسعته، ما يتطلب الانتقال السريع إلى إصلاح شامل يضع الأمور والحلول على سكتها الصحيحة، ويجنب البلاد آلاماً وصعاباً هي ليست بحاجة إليها، من أجل ضمان كرامة الوطن والمواطن..

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:39