سعيد دوكو.. عام على الرحيل
مع أواخر أيام ربيع عام 2007، وفي 31/5 تحديداً، ودعنا رفيق دربنا المناضل الكبير سعيد دوكو.. وبمناسبة مرور عام على وفاته أود تسليط الضوء على بعض من جوانب حياته التي كانت مليئة بالنضال والتضحيات والمآسي والاعتقال..
تعرفت على الراحل في مدينة المالكية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، كان يجلس بين العشرات من الرجال، وأحيانا أخرى بين المئات منهم، وينفرد بالحديث إليهم بأسلوب ريفي بسيط، بعيداً عن تعقيدات المدينة ودبلوماسياتها، واضعاً رأس خيط المعرفة في عقول الفلاحين ومتلقي سياسة الحزب. كان يقوم بذلك دون عناء وكأنه يحكي رواية قروية حفظها عن ظهر قلب، والناس يستمعون إليه بشوق ولهفة، منصتين إلى شرحه عن السياسة الاقتصادية للحكومة، وعن الغلاء الفاحش المستشري كالنار التي تسري في الهشيم، عن القضية الكردية بشكل عام، عن الجور الذي لحق بالمواطنين الأكراد المجردين من الجنسية، عن الحركة الصهيونية وخطرها العالمي وليس على الشعب الفلسطيني فحسب.. عن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، بين الرأسمالية والاشتراكية، مختصراً هذه المحاور بموازنات قيمية، القيمة الأعلى لدى الرأسمالية هي النقود، القيمة الأعلى لدى الاشتراكية هي الإنسان. كيف تحل الرأسمالية الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا؟ كيف تحل الرأسمالية ما يشبه الصراع بين المرأة والرجل؟ كيف قسمت الإمبريالية العالم كمناطق نفوذ بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ بالمقابل كيف تحل الاشتراكية القضية القومية عبر حق تقرير المصير وبالترابط مع دفع العملية الثورية إلى الأمام، وليس المهادنة أو التوافقات مع الإمبريالية بهذا الصدد.
بالإضافة إلى قيادته لعمل منظمة المالكية، بنى شبكة واسعة جداً من العلاقات بكل ألوان الطيف الاجتماعي الموجود، من المرحوم القس أفرام، إلى المرحوم الملا إسماعيل الكمصور، إلى وجهاء المنطقة بشكل عام، إلى علاقاته المتميزة بالوسط العربي في الجنوب. كل ذلك دون أن يتخلى عن كونه سفيراً للفقراء أينما حل .
محاور مبدئي نشيط مع شعبة حزب البعث العربي الاشتراكي في المدينة ومع مدير المنطقة ومع الأجهزة الأمنية، حليف لاتحادات العمال والفلاحين في القضايا الطبقية.. له بصمات لا تمحى في هذا المجال في قرى كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: القيصرية (مامشور)، المنصورة (بورزي)، مزرعة مسلم، سرمساخ (قلقيلية)...
لقاءاته شبه الدورية مع ممثلي الحركة الكردية، وبدرجة أخف مع الحركة السريانية (ليس بسبب منه)، يجري بينهم نقاشات حامية، صوت عال، خفوت، تسخين.. احترام متبادل. كل ذلك على حساب دزينة من الأولاد، وامرأة لا تعرف الانقباض من رواد البيت، (البيت الذي وكأنه مكتب الحزب) البيت الذي كان يبقي أبوابه مشرعة أمام حركة الرفاق والأصدقاء والمراجعين لقضايا مختلفة باختلاف مشاكل المنطقة، من الصراع بين الفلاحين والإقطاع، بين الأزواج والزوجات، بين ملاكي المالكية ومشتري العقارات، المختلفين فيما بينهم. هذه الدار المسكونة بالأجرة وليست بالتمليك، لا تعرف ساعة لنهاية الدوام.. الضيافة مستمرة حتى بعد الثانية عشرة ليلا في كثير من الأيام والحالات .
لأسباب موضوعية ولدوره المتميز، كانت المنظمة ممتدة بالاتجاهات الأربعة لمدينة المالكية، وتشمل العشرات والعشرات من القرى، وتضم في صفوفها مئات الرفاق الذين كانوا يعملون كخلايا النحل والنمل جيئة وذهاباً، والحياة الحزبية كان لها طعم ولون ورائحة زكية.. وستبقى ذكرى سعيد دوكو زكية، ليس بين صفوف الشيوعيين فحسب بل وبين جماهير منطقة المالكية بشكل خاص، وبين جماهير المحافظة بشكل عام.
لسعيد دوكو الصامد الصامت عهدنا أن نبقى أوفياء لمثل الاشتراكية والشيوعية، أن نبقى إلى جانب فقراء بلادنا وفقراء العالم من كل لون ودين وقوم، دون تمييز، وعلى العهد صامدون .