كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفنا لهذا العدد الرفيق عدنان أحمد درويش الذي التقيناه في داره، وحملنا إليه تحيات رفاقه في هيئة تحرير قاسيون وتمنياتهم الصادقة بشفائه، مكبرين فيه إرادته الصلبة في مقاومة مرضه العضال منذ أربع سنوات.

 

الرفيق المحترم أبو فهد.. كيف أصبحت شيوعيا؟.

أنا من مواليد قرية (جسرين) بغوطة دمشق عام 1940 من عائلة فلاحية، أبي كان يعمل بائع ألبان. تلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة اليرموك بحي العمارة بدمشق، وسجلت في مدرسة الصناعة، لكن ظروف العيش القاسية أجبرتني على ترك الدراسة والتوجه للعمل، فاشتغلت عند خياط متدين اسمه سعيد الأوبري، ومنه تعلمت القرآن وأصول الخياطة، ثم عملت لدى الخياط حنين حداد، وبعده عند الخياط همبر صوم، وهو أرمني شيوعي قرأت في دكانه جريدة الحزب (النور)، وهنا كانت البداية، إذ غدوت صديقا للحزب، وفي عهد الوحدة ذهبت إلى لبنان وهناك تعرفت على عدد من الشيوعيين السوريين منهم الرفاق جوزيف نمر وكمال ظاظا، وبعد الانفصال عدت إلى الوطن، وعن طريق الرفيق عبد الوهاب ظاظا انتسبت إلى الحزب بإشراف الرفيق مراد يوسف، وأول فرقة ضمتني مع رفيقين أحدهما الرفيق رمضان وهو بائع فول، وبعد مدة تحول نشاطي إلى الريف، حيث عملت هناك لأكثر من عشر سنوات، ثم عدت إلى العاصمة لأنشط بين العمال، ثم انتخبت عضواً في مجلس إدارة نقابة عمال الخياطة، ثم انتقلت للعمل مع الحرفيين وضمتني فرقة مع الرفاق شكري صدّيق وأحمد صالحاني ومحمود الأسد، وانتخبت عضواً في مجلس الإدارة، ثم رئيسا للجمعية الحرفية للخياطة، ومازلت في هذا الموضع حتى اليوم. كذلك عملت في الإدارة المحلية، وانتخبت عام 1991 عضواً في مجلس محافظة ريف دمشق عن الغوطة الشرقية لأربع دورات متتالية، كنت ممثلا للحزب (دورتان لفصيل نضال الشعب، ودورتان لفصيل النور) ونجحت في دورة خامسة بصفة مرشح مستقل، وقد نشرت قاسيون العديد من مداخلاتي في مجلس المحافظة وفي اتحاد الحرفيين. ونتيجة لموقفي من تصرفات خاطئة لقياديين في فصيل نضال الشعب، ولأنني عبرت بوضوح عن رأيي الذي لا يكرر رأي القيادة المقدس، قمعت، وعندما قلت إن قياديين لدينا يمثلون الحكم ولا يمثلون الحزب والشعب طردت من التنظيم. وخلال وجودي في فصيل النور كنت أتحرق ألماً من واقع الانقسامات التي كانت وراءها المنافع الشخصية والانتهازية الأخطر والأقذر، ولعدم وجود ما يعيد إلي الثقة بجدية وجدوى التنظيم  الفصائلي وانصرافه عن العمل بين الجماهير واكتفائه (بالعمل من فوق) للحفاظ على المراكز والامتيازات، تركت التنظيم مثلي مثل مئات الرفاق، وفيما سبق كان أربعة من إخوتي في صفوف الحزب، ثم ابتعدوا عن التنظيم .

عندما طرحت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين برنامجها اقتنعت به، وانضممت إلى صفوفها، وحضرت اجتماعاتها العامة الموسعة السنوية، وأسهمت في مظاهراتها واعتصاماتها، وأسهمت في الندوات التي أقامتها بالتعاون مع القوى الوطنية من أجل جبهة وطنية شعبية، كما شاركت في النضال المطلبي وضد الغلاء، وكنت أحد الذين قدموا عريضة تطالب الحكومة بوضع حد للغلاء والاهتمام بواقع الجماهير الشعبية حملت تواقيع خمسة وعشرين ألف مواطن إلى مجلس الوزراء، وانتخبت عضواً في هيئة رئاسة اللجنة الوطنية.

وخلال وجودي في التنظيم الحزبي شاركت في كل نشاطات الحزب النضالية والمطلبية والجماهيرية والحزبية، ومن ذلك وقوفي مع الرفاق والعمال في وجه من أرادوا تأجير معمل الألبسة الجاهزة للقطاع الخاص قائلاً: إن من يؤجر المعمل مثل من يؤجر شرفه، وقد نجحنا في ذلك.

كنت ومازلت مؤمنا بأن عمل الرفيق هو الذي يحدد مكانه ومكانته، أما المدعي فسرعان ما يتلاشى. إنني أعتز بالكثيرين من الرفاق الذين عملت معهم أو عرفتهم ومنهم إيليا نمر وعبد الوهاب ظاظا، فقد كانوا نموذجاً للجرأة والصدق والإخلاص والالتزام، ومن المواقف الكثيرة التي لاتنسى ذلك الاجتماع الذي عقدناه مع الرفاق الفلاحين في قرية (حمورية) والذي خططنا أن ينتهي قبل الساعة الحادية عشرة ليلاً لنلحق بالباص الأخير إلى دمشق، لكن توسع النقاش والإجابات التي تولاها الرفيق الطيب الراحل عادل الملا عن أسئلة الرفاق أخرتنا، ففاتنا الباص، فعدنا سيرا على الأقدام تحت المطر الغزير الذي تغلغل إلى ثيابنا الداخلية. إن دروب قرى الغوطة تبقى شاهدة على عشرات عشرات المرات التي قطعناها على الأقدام للاجتماع مع الرفاق في فرقهم الحزبية.. إن تاريخ كل رفيق جزء لا يتجزأ منه وحين يستعيده في خاطره يحس به واقعاً عاشه فيستخلص منه محصلة عمله. لقد كنت بعيداً عن الاستزلام، لذلك لم أرسل مرة إلى الخارج لا دراسة ولا مهمة ولا استجماماً، وأنا سعيد بذلك، إنني غير نادم على ما مضى فقد كان حافلاً بالعمل المخلص.

وبقناعة أكيدة بعدالة قضية الكادحين، وثقة لا تزعزع بحتمية انتصار نضالهم، أحيي جميع الرفاق، وأرجو أن يتحقق سعيهم لوحدة الشيوعيين السوريين، وليستعيد الحزب دوره بين الجماهير ومعها حزبا للشعب والوطن.