الفكر المنزلق والواقع المتحرك
لا شك أن حركة الفكر تتجه نحو التغيير أو التطوير وفق علاقة الجدل بين الواقع المتحرك والفكر الذي يجب أن يطابقه. فإذا كان هناك ثبات فهو نسبي ينظر إليه من خلال شروط الوجود المتعين في اللحظة التاريخية، وبالتالي لا تستطيع أن تصف المدافعين عن ثبات الأفكار في اللحظة التاريخية نفسها بأنهم محافظون! على العكس هم أمناء حقيقيون على مرحلة لها شروطها الموضوعية ولم تستنفد بعد.
إن اتهام الذين ما يزالون يعتبرون أن الصراع الأساسي في المنطقة هو مع الامبريالية والصهيونية وأنه ضمناً صراع لتهيئة المناخ الاقتصادي والاجتماعي للتصدي لهما بأنهم أصحاب خطاب خشبي عليهم أن ينصرفوا لمسائلنا الداخلية، هو اتهام – باعتقادي- يجانبه الصواب، لأن الامبريالية واسرائيل تزدادان توغلا وعنصرية فمن الخطيئة صرف النظر عنهما.
لانعطاف الأفكار ثلاثة أسباب رئيسية:
الأول: وهو ضروري عندما يتبدل الواقع الاجتماعي وتتغير البنية الاقتصادية، عندها يجب أن يتحول الوعي إلى وعي مطابق لهذه البنية الجديدة، والحياة زاخرة بالأمثلة عن هذا التحول في كل مجالات الحياة (الموقف من الطبيعة)– وفي مجال الحياة الاجتماعية (العادات والتقاليد)- والحياة السياسية (الموقف من الحاكم).
الثاني: الخطأ في الاستدلال أو القياس، عندما تكون النتائج لا تطابق المقدمات، وأخطاء القياس كثيرة منها: الانتقال من الحالات الجزئية أو الفردية إلى التعميم ظناً من مستخدم هذا القياس الخاطئ أن هذه الظاهرة الجزئية هي عامة دون النظر إلى نتائج البحث الموضوعي لهذه الظاهرة والأمثلة أيضاً عديدة: القول مثلاً إن الغش في الامتحانات أصبح ظاهرة عامة انطلاقاً من ملاحظة بعض حالات الغش فعلاً في كثير من المدارس، ولكن هل جميع الطلاب يغشون لكي نصل إلى هذا التعميم.
والمثال الأشد وضوحاً ما نلاحظه هذه الأيام من حركات الاحتجاج والحراك الشعبي الثائر ضد الفساد والاستبداد.. فإذا كنت مع الحراك والتغيير أتصور أن كل الشعب ثائر لأنني وجدت أو شاركت في مظاهرة هنا أو هناك حتى لو كانت بأعداد متواضعة، وإذا كنت مع النظام فأرى المسيرات المؤيدة حتى لو خرجت الناس كالعادة بالإكراه أو خوفاً من أجهزة النظام القمعية، أتصور أن كل الشعب مع النظام. هذا الأسلوب في بناء الأحكام هو أشد أنواع الاستدلال خطأً وخطورة في الوقت نفسه لأنه يبنى على أساس ذاتي والذاتية لا تبني علماً.
ثالثاً: الأفكار أو القناعات ليست ثياباً يمكن قلعها وإعادة ارتدائها بأي وقت نشاء، بل هي السقف الذي نرفعه على أعمدة وقواعد بنائنا التحتي بكل جوانبه المادية والاقتصادية والاجتماعية..
نحتنا أفكارنا من فلزات صخور حياتنا ولا يمكن أن تمحى كأشكال يرسمها طفل على رمال الشاطئ ليأتي المد البحري ليعدمها من الوجود، اللهم إذا لم تتغير طبيعة فلزات الصخور الذي أنتجت هذه الأفكار. احترم صاحب الفكر المنسجم مع ذاته حتى لو كنت مختلفاًمعه طبقياً وايديولوجياً، كون أن كل إناء ينضح بما فيه ولكني استهجن:
1 -للشيوعي الذي يرى ضرورة التخلص من القطاع العام ويدعو للخصصة اقتصادياً، وسياسياً لا يرى ضيراً من التدخل الخارجي في مصالح شعوبنا وأوطاننا وكأن الولايات المتحدة والحلف الأطلسي أصبحا الإتحاد السوفيتي وحلف وارسو.
-2للعلماني والليبرالي الذي تمتلئ ابحاثه الأكاديمية ومؤلفاته العلمية نقداً لاذعاً للرجعيات العربية المتمثلة بدول الخليج وعدائه للفكر السلفي، فيصبح بقدرة قادر حليفاً للأصولية الدينية رغم إصرارها على أن الإسلام هو الحل، ومستمداً دعمه المالي والإعلامي من دول الخليج التي ليس في بعضها برلمانات أو أدنى حرية تعبير.
-3القومي المدافع عن العروبة حتى لو كانت فضاءاً متخيلاً لأن البديل عنها في نظره سيكون القبيلة والمذهب والطائفة، لينتقل لوصف أمراء الطوائف ودعاة المذاهب بالثوريين!!
-4هؤلاء المستشارون الاقتصاديون أو نواب الرؤساء السابقون الذين يتنافحون شرفاً ودعاة لاحترام حقوق الإنسان أقول: إذا كانت هناك أزمة حقيقة في بلادنا أنتم وأسيادكم في المراكز الأمنية وأسياد المال المنهوب من جيوب الفقراء أسبابها ونتائجها، بطلبكم للتدخل الخارجي والمصرون على الحل الأمني في الداخل شركاء بل حلفاء من أجل الإجهاز التام على سورية الوطن والمواطن.
• عن صفحة الكاتب