فايروس الربيع العربي
في كل عام تهدينا جهة مجهولة، خبراً يهزّ العالم، فتنشغل البشرية به، خوفاً ورعباً، وتنهمك وسائل الإعلام بالتحليل، وطريقة اتخاذ الاحتياطات لتلافي أسباب الخطر. الخبر هو جائحة ما، عابرة للحدود، ينبغي مواجهتها بعلاج تخترعه شركات الأدوية العالمية،
فتربح ملايين الدولارات في صفقة وهميّة. هكذا ابتلينا بجنون البقر أولاً، ثم أنفلونزا الخنازير، ثم أنفلونزا الطيور، ثم الحمّى القلاعية. لاشك أن التلوث الذي أصاب كوكبنا جلب عشرات الأمراض الطارئة، وكأن الطبيعة تدافع عن نفسها أمام وحشية العقل البشري في تدمير البيئة، لكن المستغرب حقاً، أن موجات الأمراض تختفي فجأة، وكأن شيئاً لم يحدث، بعد أن نستمع إلى عشرات البرامج التلفزيونية المتخمة بالنصائح لمواجهة الجائحة، وسط موجة من الشائعات عن مرضى تمّ إسعافهم إلى المشافي، ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد.
طوال العام المنصرم، لم نتعرف على جائحة جديدة، جرياً على العادة، فهل كان «الربيع العربي» هو فايروس هذا العام؟ لعل انشغال العالم بالثورات العربية، جعل تلك الجهات المجهولة تنكفئ عن اختراع جائحة جديدة، لتأكدها من أنها ستخسر في تسويق أدويتها المزعومة، ذلك أن خضّة بحجم الربيع العربي، لن تغري وسائل الميديا الالتفات إلى أي مُنتج آخر، مهما كان حجم الترويع من مخاطره. بالإضافة إلى انشغال المشافي بجرحى الاحتجاجات، وتالياً ستتكدس الحقن السحرية في المستودعات. بناء على ما تقدّم، يمكننا إطلاق اسم «جنون البشر» على جائحة هذا العام، فحادثة التونسي محمد البوعزيزي التي أطلقت الفايروس الأول، لا يمكن عزلها عن أسباب العدوى الجماعية التي اجتاحت الخريطة العربية بما يشبه الجنون والغضب المؤجل والكرامة المهدورة. هكذا تفاعلت الشرارة الشخصية بحطب الآخرين وأشعلته في أكبر موقد للاحتجاج الجماعي.
بعض رجال الإطفاء سارع إلى إطفاء الحريق، وآخرون تجاهلوه، فاشتعلوا به، ولم تعد أية حقنة مسكّنة، تفيد في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. ما لم ينتبه إليه هؤلاء، هو استعادة الذات الفردية حضورها عبر صفحات التدوين الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي، بعيداً عن الإيديولوجيات الجاهزة، وإذا بما هو افتراضي يتلمس طريقه إلى الشارع الحقيقي في تراجيديا إغريقية ضخمة. الربيع العربي فايروس يطلقه المحكومون تجاه الحكام، ويبدو أن شركات الأدوية العالمية، لم تتمكن إلى اليوم من اختراع حقنة مضادة.