الحرب على الإرهاب... بين نموذجين؟

الحرب على الإرهاب... بين نموذجين؟

تداولت وسائل الإعلام في الأسبوع الفائت خبر انضمام دول جديدة إلى الحرب على داعش في سورية، وإعلان البدء بقصف طائرات بعض هذه الدول مواقع التنظيم في سورية، كانت البداية من بريطانية توأم واشنطن، وثم ايطاليا، وفرنسا، وليس آخراً استراليا...، وفي هذه الأثناء أيضاً، كانت بلغاريا قد أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية إلى سورية.

 

وفي السياق ذاته كان البيت الأبيض قد طلب من اليونان عضو الحلف الاطلسي إتخاذ الإجراء ذاته، وبالتوازي مع ذلك كانت وسائل إعلام غربية ساحة لبروباغندا إعلامية عن قوات روسية جديدة إلى سورية، وتعزيز التواجد العسكري الروسي؟!، ليعقب ذلك كله تصريح جوش أرنست الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض «أن التعزيزات العسكرية الروسية في سورية قد تشعل «مواجهة» مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية ضد تنظيم  داعش»، ذلك كله في الوقت الذي تشهد فيها أروقة الدبلوماسية الدولية، لقاءات مكثفة، وتحضيرات إجرائية لإطلاق الحل السياسي للأزمة السورية، وذلك بعد تراجع الكثير من الدول الدائرة في فلك واشنطن على الساحة الدولية عن مواقفها السابقة، في الملفات المستعصية الخاصة بالأزمة السورية.. حيث بات واضحاً، أن واشنطن بعد تقدم المسار الدبلوماسي تعمل على دفع حلفائها إلى المزيد من الدخول العسكري المباشر على خط الأزمة السورية، من بوابة الحرب على داعش...

نموذجا الحرب؟

بات مؤكداً، أن خيار حل الأزمة السورية، يترسخ، ويتعزز، وأنه فرض نفسه على القوى الدولية والإقليمية والداخلية كلها، بحيث لم يعد بإمكان أحد، أن يجاهر باللعب خارج ميدان هذا الحل، ولكن كل بطريقته، وكلٌّ بما يؤمّن له موقعاً متقدماً على طاولة الحل، ودوراً في رسم مصير سورية اللاحق، لاسيما، وأن انطلاق مثل هذا الحل، سيكون منصة انطلاق لحل تناقضات وتعقيدات المشهد الإقليمي كله..

النموذج الأمريكي 

إذا افترضنا جدلاً بأن واشنطن حسمت أمرها، بالحرب جدياً على داعش -رغم شكّنا بذلك- فإن الطريقة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية، منذ إعلان ما يسمى الحرب على الإرهاب، وبدلالة النتائج الواقعية، كانت حرب تحريك التناقضات، وخلط الأوراق، حرب استثمار، حرب احتواء الكل،  حرب إعادة إنتاج الوعي الاجتماعي، باتجاه ما يسمى صراع الحضارات، فمن خلال الحرب المزعومة على داعش، ابتزت واشنطن القوى العسكرية الأخرى كلها، من جماعات مسلحة سورية تشكلت في خضم الأزمة، لأسباب مختلفة، وقوات حماية الشعب، وصولاً الى الجيشين السوري والعراقي.. أي أن واشنطن التي تعرف أكثر من غيرها، أن لا مكان لداعش في بنية مجتمعات وشعوب المنطقة بالمعنى التاريخي، عمدت إلى توظيف وجود هذا المولود اللقيط، والحرب عليه، في تعميق الصراع المسلح، واستمرار الحرب، وليس لإيقاف النزيف المستمر، في سورية والعراق منذ سنوات، كما هو مطلوب، بل لإدارته وفق مصالحها هي، وإذا كان لابد من ذلك بحكم التوازن الدولي الجديد، فليكن بوجود كتله سياسية وعسكرية فاعلة على الأرض، يمكن تسويقها دولياً، تحت مسمى المعارضة المعتدلة، بحيث تكون خيارات واشنطن حاضرة.

إن واشنطن بما تمتلك من تفوق عسكري واستخباراتي، وبوجود تيارات فاشية في الإدارة الأمريكية، تحاول أن تكون حاضرة، في طرفي معادلة الحرب على الإرهاب، مرة من خلال ابتزاز الكل بوجوده، ومرة من خلال الحرب عليه. 

النموذج الروسي...

عملت روسيا وما تزال، على منع محاولات انهيارالدولة السورية، وعلى هذا الأساس، وقفت ضد التدخل العسكري الخارجي المباشر، وعملت على دعم الجيش السوري في مواجهة الإرهاب الداعشي من جهة، والحل السياسي بين السوريين من جهة أخرى، وبعد انفلات الوحش الداعشي من عقاله، واقتناع المزيد من القوى الإقليمية بضرورة لجم التمدد الداعشي، بادرت القيادة الروسية إلى طرح فكرة التنسيق الإقليمي في مواجهة داعش، في الوقت الذي كانت تسابق الزمن لإحياء مسار جنيف، وعلى عكس واشنطن تماماً، فإن فكرة محاربة الإرهاب لدى الروس، هي فكرة تتكامل مع الحل السياسي، لا بل هي شرط لازم له، في حين أنها لدى الإدارة الأمريكية، أداة تحكم، بالوضع السوري في ظروف الأزمة، وأداة تأثير وفرض الخيارات، في ظروف الحل السياسي.

إن إدخال عناصر جديدة على كيمياء الأزمة السورية أمريكياً، في ظل فتح الأبواب مجدداً أمام مسار الحل السياسي، إنما يهدف إلى زيادة الوزن الأمريكي، والأوزان التابعة له في الحل السياسي، على حساب الدور الروسي وخياراته، القائمة على وضع الأساس أمام الشعب السوري، ليقول كلمته في ما يخص مستقبل بلاده، ناهيك عن أن القوى الفاشية ترى في زيادة الدور الأمريكي مجالاً لتمرير خياراتها التدميرية، من خلال إستدامة الحريق الإقليمي.