ما يجري في العالم.. سباق تسلح؟!
في معرض الحديث عن التوترات المتزايدة في العلاقة ما بين القطبين الدوليين، الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها من جهةٍ أخرى، تحاول العديد من الأوساط السياسية والإعلامية تصوير ما يجري وكأنه سباق للتسلح، يتساوى فيه الطرفان الدوليان في مضيهما نحو إحراق العالم.
يجد أصحاب هذا الطرح مستقاهم من طرحٍ سابقٍ يضع إشارة مساواة ما بين الرأسمالية الصاعدة، المعبَّر عنها في الظرف الحالي بمجموعة دول «بريكس» وحلفاءها الأقرب، وبين الإمبريالية المتمثلة بالولايات المتحدة مسنودة بأتباعها وأدواتها حول العالم.
بين التسلح والحلول
تأتي هذه المحاولات إما بتصوير الصراع بين الطرفين، على أنه «صراع بين إمبرياليتين»، متناسين أن خصائص الإمبريالية التي فندتها الماركسية اللينينية لا تتطابق مع الحالة التي يعيشها الاتحاد الروسي اليوم، وإما بتصويره على أنه صراع تخوضه الرأسمالية الصاعدة ضد الإمبريالية، لتحل محلها وتبني «إمبرياليتها الجديدة»، مما يجعل أصحاب هذا الطرح ميالين إلى نفي كل حالة الصعود التي تعيشها الحركات الشعبية في معظم أرجاء العالم، وانعكاسات ذلك المتجسدة في إعاقة «التوجه الإمبريالي» المفترض.
إذ أن أزمة الإمبريالية اليوم هي في الجوهر ليست أزمة أعلى مراحل الرأسمالية وأكثرها تطوراً فحسب، بل إنها أزمة النظام الرأسمالي ككل، بقوانينه ومفاعيله وانعكاساته على البشرية فقراً ومجاعات وحروباً ودماراً.
عند الحديث عن سباق تسلح، فذلك يعني بالدرجة الأولى وجود نزعة إلى الحرب العسكرية عند طرفي السباق. وإن كانت هذه النزعة موجودة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومترجمة على أرض الواقع بمجموع القوى الفاشية والتوترات المفتعلة على حدود الخصوم الاستراتيجيين للإدارة الأمريكية، إلا أنه لا ينطبق اليوم على موسكو التي تحمل «سلاح الحلول السياسية»، وتعمل على تطوير قدراتها العسكرية بالحد الذي يسمح لها بتشكيل قوة ردع بوجه الهيمنة الأمريكية، ووضع حدود للتوترات العسكرية التي تنشأ على تخومها الغربية.
لماذا الحلول؟
لا يدور الكلام حول روسيا وحلفائها في منظومة «بريكس» هنا، بوصفهم «قوى سلام» فحسب، بل إن منطق الحلول السياسية الذي تدعمه هذه الدول، يعتمد في الدرجة الأولى على عمق في فهم مرحلة التراجع الإمبريالي. ففي اللحظة التي تتخبط فيها الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، تعمل على توسيع رقعة التوترات حول العالم، في محاولة منها لربط تراجعها بمصائب وويلات تنصب على البشرية جمعاء، وعلى خصومها الاستراتيجيين ضمناً. وهنا، تغدو سياسة إطفاء الحرائق التي تقوم الإمبريالية الأمريكية بإشعالها في عدة بقاع من العالم- وهي حريصة كل الحرص على تحويل فاتورتها لتدفع ثمنها أدواتها وأتباعها- سلاحاً موجهاً إلى صدرها، ويهدف إلى إجبارها على الموت وحيدة من دون أن تدفع البشرية ثمن ذلك الموت.
وعلى هذا الأساس، تغدو عملية المساواة بين القطبين الدوليين ضرباً من الخبل، تقوم به بعض الأوساط نتيجة، ربما، لما تورطت به من مواقف سياسية دفعتها وتدفعها إلى بناء ذلك الغلاف وتلك «الهالة الإيديولوجية» لارتباطاتها المشبوهة.