الحركة الشعبية في مواجهة الخطة «ب»
«مهما تغيَّرت ساحات المعركة، امضِ في حربك حتى النهاية، وابتدع لكلِّ متغيرٍ وسائله الجديدة، حتى تحقيق الهدف المنشود»، لعلَّ هذا القول يعبر تمام التعبير عن طريقة قوى الفساد في النظام السوري.
وكذلك نظيرتها في «المعارضة» في خوض حربها الدائرة رحاها على امتداد الوطن. فالتغيُّر في ماهية ساحة الحرب، هو التوصيف المُبسَّط عن انتقال البلاد، تدريجياً وبحكم الضرورة الموضوعية، من حالة الصراع العسكري بأدواته المُدمِّرة، إلى حالة الصراع السياسي والفكري، عبر الحوار، بأدواته المتمثلة بالبرامج السياسية.
هذا ما تدركه قوى الفساد في كلا الطرفين جيداً. فالتراجع عن الهدف المنشود، المتمثل بالإبقاء على الانقسام الوهمي الحالي بما يؤمّن موقعها كقوى ناهبة للأكثرية المسحوقة، هو بمثابة تخليها عن بنيتها الطبقية في المجتمع، وهذا ما يعدُّ ضرباً من العبث، لا مكان له في جوهر الصراع التاريخي ما بين الناهب والمنهوب. من هنا، إن الخطة «ب»، بمعناها السياسي، ما هي سوى محاولة قوى الفساد هذه لحرف الصراع السياسي، القادم بقوة الواقع الذي أثبت فشل الحلول العسكرية، بما ينتج «حلاً» سياسياً كفيلاً بتحقيق تقاسم سورية ما بين قوى الفساد الناهبة. هذا ما يستدعي وجود الخصم الحقيقي والفعال بمواجهة مشاريع لاوطنية كهذه.
الحركة الشعبية بوصفها الخصم
لا تقتصر الحركة الشعبية، في معناها السياسي الدقيق، على من هم معارضة في إطار الثنائيات الوهمية التي لطالما حاولت قوى التشدد فرضها وتثبيتها في الوعي الجمعي السوري، إنما يمتد المفهوم ليشمل كل من تضرر جراء السياسات المُتَّبعة على كل الصعد الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية، ودخل على أثرها في إطار الحركة السياسية. بمعنى آخر، إن مجموع المنهوبين المنقسمين وهمياً ما بين «موال- معارض» ليسوا خارج بوتقة الحركة الشعبية من حيث التشارك في المصلحة الطبقية الناشئة من خلال التغيير المطلوب لمصلحة الأكثرية في المجتمع السوري.
وقد تعرضت الحركة الشعبية، خلال شهور الأزمة، إلى العديد من المحاولات التي تهدف لضربها، بما يقلل من حجم تأثيرها في المجتمع، ابتداءً من التعدي الواضح عليها عن طريق تحدث بعض قوى «المعارضة» اللاوطنية باسم الحركة الشعبية زوراً، وليس انتهاءً بمحاولات قوى التطرف في النظام السوري إقصاءها واستبعادها كطرف فاعل يجب الاستماع لمطالبه والتعاطي بجدية مع ما يمثِّل..
في الواقع، إن كانت الحركة الشعبية هي مجموع الفئات المتضررة في المجتمع، فهذا سيقودها، من حيثُ تدري أم لا، إلى المعركة الشرسة، الناتجة عن محاولات قوى الفساد الرامية لتحاصص سورية ما بين الفاسدين عبر الحوار!، مما يشير إلى أنها (أي الحركة الشعبية) ستكون الخصم الحقيقي المصقول بقوة المصلحة الطبقية، والقادر عبر تلاحم عناصره على التصدي لمطامع قوى الفساد الباحثة بجهد عما يؤمن تأبيد سطوتها على مقدرات البلاد.
قبل المواجهة.. كيف التمثيل؟؟
بدايةً، لا بدَّ من البحث عن السبل التي تستطيع بمقتضاها الحركة الشعبية أن تشقّ طريقها للجلوس، كطرف رئيسي لا يمكن استبعاده، على طاولة الحوار السورية. وهنا تجدر الإشارة إلى العوائق الحائلة دون تمثيلها، نتيجة ما تعانيه الحركة من ضغوطات متتالية تهدف إلى شل قدرتها على التأثير في المجتمع.
يكاد يكون العامل الأول المساعد لها، هو العمل الدائم على التخفيف من حدة العنف على الأراضي السورية، فالحقيقة أنه في الأوقات التي يصل فيها العنف إلى مراحله الدنيا، تزداد المساحة السياسية التي يقع على عاتق هذه الحركة ملؤها بالنشاط السياسي ليس اللازم فحسب، بل والضروري أيضاً. ومخطئٌ هنا من يظن أن الحركة الشعبية ستتمكن من تكييف بنيتها بما يتوافق مع اكتمال جاهزيتها لتحقيق التغيير المطلوب مباشرةً ودون عثرات، فهي بحاجة للوقت اللازم لرفع هذه الجاهزية والاستفادة من تجاربها التي لم يُقدَّر لها النجاح، فهي في نهاية المطاف محكومةً أيضاً بتراكم النجاحات الذي لا مناص من أنه سيتطلب الوقت الكافي لإنجازه.
وهنا يتطلب الأمر، وقوف القوى الوطنية على طول الخط مع الحركة الشعبية ومساندتها بما يعزز قدرتها على تلافي هذه العثرات. وفي الوقت الراهن تكمن المساندة، في تأكيد هذه القوى على ضرورة تمثيل الحركة الشعبية بالحوار السياسي من جهة، والعمل على تمهيد الطريق لها عبر رفض العنف والعمل الجاد على إيقافه ونتائجه من جهةٍ أخرى.