جامعة الدول العربية.. لاجديد لدى العروبة

جامعة الدول العربية.. لاجديد لدى العروبة

يجادل الكثيرون في تقييم موقف الجامعة العربية حيال الأزمة السورية، لكن وبغض النظر عن التجاذبات حيال موقف هذه المؤسسة لابد من تقييم دورها في الأزمة الراهنة انطلاقا من دورها التاريخي كمعبر عن محصلة أداء النظام الرسمي العربي. إن الانطلاق من هذه النقطة يكفي لنيقن أن أي دور للجامعة العربي هو دور سلبي بامتياز على أي شعب عربي وفي أي قضية كانت، كان مفحما ما قاله محمود درويش عام 1987: ( اليوم يجتمع الملوك بكل أنواع الملوك من العقيد إلى الشهيد ليبحثو خطر اليهود على وجود الله !).

يؤرخ الواقع فيماالربيع العربي للجامعة بالعار فقط، فمن تجربة جيش الإنقاذ مرورا بمبادرات السلام العربية وصولا إلى احتلال العراق.أما بعد هذا الربيع فباتت حصيلة النظام الرسمي العربي في يد النظام الرسمي الخليجي خاصة بعد (سقوط) نظامي مصر وتونس والإطاحة بالنظام الليبي وتنحي الرئيس اليمني والوضع السوداني المتهلهل بعد سلخ جنوبه والعراق اللامستقر والنظام السوري المحاصر، إن هذه السيادة الخليجية لا تغير كثيرا من حقيقة الدور التاريخي لهذه المؤسسة إلا أنها تؤكد أن الدور الحالي للجامعة هو بيد أشد الأنظمة العربية رجعية وقمعية وتبعية.لكن ما نسعى إلى  تقييمه هو الدور الملموس الذي قامت به الجامعة في الأزمة السورية وفقا للتحولات الجديدة، و الملاحظ هنا وإن كان غير ذي أهمية أن الموقع الرسمي للجامعة العربية قام بإضافة نافذة خاصة تحت عنوان (تطورات الوضع في سورية) على صفحته الرئيسية في الانترنت طبعا دون أن تُلحظ أي نافذة معنونة بأية أزمة عربية،فحتى قضية  العرب المركزية أي فلسطين لايوجد لها أية أيقونة مستقلة رئيسية أو حتى فرعية !! 

ضرب مساعي التهدئة:

بدأت الجامعة العربية تحركاتها بشكل واضح في أواخر آب الماضي مشكلة لجنة وزارية عربية تهتم بمتابعة تطورات الوضع في سورية ، المتابعة  على مايبدو وفقا لمصطلحات الجامعة لاتعني فقط أنها أحد المتفرجين بل أصبحت أحد الفاعلين !،و جاءت بيانات الجامعة الأولى الداعية الى وقف مظاهر العنف والشروع بحوار وطني لحل الأزمة  و تبلورت هذه البنود في قرار مجلس الجامعة بدورته الاستثنائية بتاريخ 16/10 / 2011  و كان واضحا مماصيغ أن الجامعة العربية دخلت طرفا في هذا الصراع عبر تشكيل اللجنة الوزارية برئاسة قطرية وذلك لسببين رئيسين:

الأول هو عدم اتفاق هذه الجهة على توصيف السلطات الرسمية للوضع وهذا مبرر بشكل جزئي.

أما السبب الثاني فهو عدم سعي الجامعة العربية لأن تكون طرفا محايدا عبر تقصي الحقائق واعتمادها فقط على ماتبثه وسائل الإعلام في تفنيد روايات السلطة ( فجأة صارت الجامعة نصيرة للشعوب المضطهدة!!).

ينشأمما سلف هذا التساؤل : إذا كانت الجامعة العربية لاتثق برواية السلطات التي كانت تبررالقمع حينها بوجود مسلحين (مع التذكيربالقمع غير المبررالذي عاشته الحركة الشعبية حينها) فكيف قامت  بصياغة بند يقول بوقف جميع مظاهر العنف!،طبعاو دون أن تحدد مامعنى  جميع  مظاهر العنف؟!

وعندما تطلب الجامعة من السلطة وقف جميع مظاهر العنف في الوقت الذي تدعي فيه السلطة أن هناك طرفا ما مسلحا (وهو كان موجوداً حينها وإن بشكل قليل نسبيا) وتقوم الجامعة بالاتفاق مع السلطة على هذا البند (حيث تم الاتفاق على بند وقف جميع أشكال العنف أثناء زيارة الأمين العام لسورية في أواخر آب 2011) فكيف سيتم هذا الايقاف من جانب السلطة فقط دون المسلحين ومن هو المسؤول عن تنفيذ هذا الإيقاف،هل المسؤول هو السلطة التي تتهم بالكذب عندما تقول بوجود المسلحين؟ !!.

كان واضحا حينها أن الجامعة دخلت إلى الصراع وبطريقة غير حيادية عندما رفضت كل روايات النظام وصدقت كل روايات المعارضة المتلفزة على شاشات العربية والجزيرة، بينما كان من الأدعى السعي للوصول إلى توافق حول توصيف الأزمة  ومن ثم التوافق على الحلول، إلا أن الجامعة العربية صاغت الحلول وفقا لتوصيفات الأزمة الخاصة بها . إن هذا الحديث لايعني بكل تأكيد أن روايات السلطة كانت روايات صحيحة لكن مساعي الجامعة كانت مصرة على الابتعاد عن الحسم الموضوعي  في هذه الروايات.

تصاعدت عمليات العنف  لاحقا و من كل الأطراف جاعلة من بروتوكول الجامعة الموقع بتاريخ19/12/2011 بين الجامعة وسورية هو الحل الأخير والمتفق عليه بين الجامعة والسلطات السورية.نُسف هذا البروتوكول بتفاعلات العنف والعنف المضاد، ورفض اللجنة الوزارية ضمنيا  تقرير المراقبين العرب وذلك عندما أحالت الملف السوري إلى مجلس الأمن وإقرارها لحزمة من العقوبات طالت الشعب السوري قبل أي جهة أخرى. أما الأدهى فقد كان العمل على تضليل الرأي العام بأحد البنود والقائل بشكل واضح (تفويض رئيس الجمهورية لنائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية)حيث ترجم هذا البند اعلاميا على أنه طلب للتنحي(تداولت قنوات الجزيرة والعربية الخبر على أنه دعوة للتنحي بينما كانت الصياغة واضحة إنها لاتنص على التنحي، ومن المستهجن هنا اعتماد الجامعة في الكثير من قرارتها على هكذا وسائل إعلام بينما تسهم الوسائل نفسها بتضليل الرأي العام ). لاتكمن المشكلة في هذا البند وحسب و لكن المشكلة كانت في البند الذي دفع بهذه المبادرة إلى حضن مجلس الأمن حيث جاء البند الأخير واضحاً  ( الطلب من رئيس اللجنة والأمين العام ابلاغ مجلس الأمن لدعم هذه الخطة طبقاً لقرارات مجلس الجامعة). نلاحظ أن صياغات الجامعة جاءت بصياغات قسرية فقط ، فهي لم تشدد على بنود الحوار الوطني مثلا والذي كان من الممكن أن يكون مدخلا لتخفيض مستوى العنف بينما شددت على قضايا إجرائية كان ينبغي الاتفاق عليها أولا مع أصحاب الشأن، ناهيك عن تلويحها بمجلس الأمن الذي يمثل (شرطي العالم). بمعنى آخر أن الجامعة كما ساهمت بداية بصياغ معومة  تترك للواقع المعقد أن يفرز كل المعيقات بوجه الحل، جاءت لتصيغ طلبات واضحة في قسريتها فتضمن رفضها منالنظام..

تثبيت حالة الاستعصاء:

لاحقا وبعد وصول الملف السوري إلى مجلس الأمن اكتفت الجامعة بتشديد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والتوجه بشكل علني لدعم معارضة الخارج والسعي لبلورة جسم سياسي معارض تستطيع الجامعة أن تقارع به النظام في سورية، وفي الوقت التي كانت ترحب به الجامعة بمهمة عنان التي أصرت على فكرة الحوار ووقف العنف من كلا الطرفين كانت أيضا ترحب  بمؤتمر أصدقاء سورية المنعقد في كل من تونس واسطنبول وفرنسا. كما كانت الجامعة تطالب مجلس الأمن في تحمل مسؤولياته بحفظ السلام والأمن الدوليين في إشارة مبطنة عن (الفصل السابع ) إضافة إلى تقديم الدعم المادي واللوجستي للمعارضة  ضمن صياغات مختلفة . وصلت هذه القررات ذروتها في 22/ 7/2012 حيث دعت قرارات مجلس الجامعة  الرئيس إلى التنحي ودعت إلى تشكيل حكومة تضم معارضة الداخل والخارج والجيش الحر، وقد أوضح ذلك البيان بشكل فاقع أن الجامعة اعترفت بمايسمى الجيش الحر وهوميلشيا عسكرية مسلحة تمثل أحد أطراف العنف وهي ليست وليدة اللحظة بأي حال من الأحوال، وهنا يتبدى التساؤل فاقعا حول سبب غياب أي موقف في كل بيانات الجامعة السابقةوحتى ذلك التاريخ من عنف المعارضة أو أدنى إشارة نحوه، بينما كانت تطالب بكل بيانتها السابقة بضرورة وقف العنف وقصر هذا العنف على السلطات..

إن الاستعراض السابق لمواقف الجامعة العربية يفضي إلى التالي:

إن الجامعة العربية اختارت في البدايات صياغات تتعاطى مع السلطة كطرف مسؤول عن وقف العنف بينما كانت تتبنىروايات المعارضة الخارجيةوفقط عن العنف ، وهذا ما سمح بتصاعد العمل المسلح من المعارضة وهذا ما دفع الواقع تجاه مزيد من الاستعصاء ومزيد من الدماء التي أمنت لاحقا تصعيدا جديدا من الجامعة.

تميزت المرحلة الثانية بقيام الجامعة بتأمين الدعم الدولي والإقليمي لقوى المعارضة الخارجية والمسلحة وتعطيل أي حل ممكن عبر التوازنات الدولية الجديدة، وبذلك أيضا يستمر العنف .

أي أن المحصلة  النهائية لدور الجامعة يتوافق مع وظيفتها التاريخية المستمدة من كونها حصيلة الأنظمة المتهالكة  و التي تستعدي كل الشعوب، وهو ماتجلى واضحاً في الأزمة السورية بإعلانها دعم الشعب السوري والذي  لم يتمخض عنه إلا حصار جائر  ومساهمة في زيادة العنف وإدامة الاشتباك على الأرض السورية لمنع الشعب السوري من صياغة الحل الأمثل للتغير المنشود.