مسألة بانتظار حل عادل
تبين للجميع ضرورة اجراء تغيير وطني اقتصادي-اجتماعي وسياسي وديمقراطي جذري وشامل وفوري في البلاد، وزج كل الطاقات الوطنية، دون استثناء أو إقصاء، وان الضرورة الوطنية تتطلب الجرأة في معالجة جميع المشاكل العالقة وإيجاد الحلول الوطنية الديمقراطية لها.
وتشكل المسألة الكردية إحدى هذه المشاكل التي تنتظر حلاً عادلاً منذ قيام الاستقلال إلى وقتنا الراهن. لقد فشلت كل السياسات السابقة المطبقة بخصوصها سواء كانت سياسة الإقصاء أو التغاضي، والتي برهنت الحياة على عدم جدواها، وكان الوطن هو الخاسر الأول من جرائها.
وإن اللحظة التاريخية مناسبة لفتح هذا الملف وإخراجه من خانة المحظورات، انطلاقاً من البوابة الوطنية ومن خلال توفير فرص متكافئة لحوار حر ومسؤول للمضي قدماً باتجاه حل وطني شامل.
وبصورة عامة، فإن إلغاء الآخر وتغيبه سياسياً، لا يعني إنهاءه واقعياً وإن سياسة الإقصاء والإنكار لن تنتج عند الآخر سوى المزيد من الاحتقان والمزيد من الإصرار لتحقيق ذاته، وحين ينسد باب الانتماء الأوسع أمام الإنسان، يرتد إلى الانتماء الأضيق ويلجأ إلى التقوقع والانعزالية خوفا من اقتلاع الجذور، ولا يمكن لسياسة الإقناع بالقوة أن تكون بديلا عن مبدأ قوة الإقناع، وأن القومية كالكثير من الانتماءات الأخرى تشكلت في سياق التطور التاريخي كتعبير سياسي عن وعي اجتماعي، ولن تزول أو يتوارى تأثيرها، إلا إذا توفرت الشروط التاريخية أي حينما تتجاوزها الضرورة التاريخية، ولذلك فإن الاستهداف السياسي للهويات أو الثقافات لا يجدي نفعاً، وإن استطاع في غفلة من الدهر أو مرحلة معينة من الاستعلاء المبني على القوة من إسكات الصوت المعبر عن الجماعة المستهدفة وحقق صمتاً آنياً فسرعان ما يتبدد هذا الصمت- على أثر التحولات السياسية الجارية باستمرار، وحين يتوفر الظرف المناسب – يعود هذا الصوت ليعبر عن ذاته بوتائر أكثر صخباً وعنفاً وربما بوعي مشوه وعلى شكل أحداث مؤسفة، وما تشهده ساحات عديدة جديرة بالدراسة والتأمل في هذا المجال.
إن سورية مهد للحضارات، ولهذه الحضارات رموزها ودالاتها، ومن الندرة أن نجد حضارة شيدت بعروق نقية أو قامات هولوكوستية، فكل المكونات القومية والثقافية السورية تشكل امتداداً لتلك الحضارات ومن حقها أن تتفاخر بها.
إن أبناء سورية إخوة في التاريخ والعيش والمصير ويشكلون معاً الشعب السوري الأبي، وأية محاولة لدق الإسفين بينهم أو إحداث فوالق اجتماعية من أية منطلقات أو دوافع من شأنها أن تجزأ نضالهم الوطني ستبوء بالفشل الذريع، والتاريخ الذي لايرحم أحداً ولا يعادي أحداً ويتعامل مع الجميع على أساس ما أنتج وما قدم له ليحتفظ به في ذاكرته الواسعة جداً للأجيال اللاحقة كمادة معرفية.
إن اي حل حقيقي لهذه المسالة وسواها، يجب أن يكون ضمن الشرط الوطني السوري بمعنى وحدة التراب الوطني السوري، والحفاظ على السيادة الوطنية، والكف عن كل مظاهر التمييز على أساس قومي، وما عدا ذلك تبقى حلولاً كسيحة وعرجاء قد تؤدي إلى ظروف أسوأ بالنسبة للجميع.