قصف صهيوني على الحل السياسي!
انقسمت التعليقات والتحليلات السياسية والعسكرية، التي جاءت كنتيجة طبيعية للاعتداء الصهيوني السافر على أحد مراكز البحث العلمي في منطقة جمرايا بريف العاصمة السورية دمشق.
وكان التنبؤ هو السمة الأساسية الطاغية على هذه التحليلات، بين مدافع عن فرضية رد عسكري سوري على هذا الاعتداء، وبين من ينكر هكذا فرضية. ويكاد يكون الانقسام الأكبر في الرأي، هو حول الهدف الصهيوني الحقيقي الملتبس خلف الاعتداء. هذا ما يفتح الباب أمام عملية تحليل معمقة تستنبط هذا الهدف من جهة، وتبين رؤية ما حول أشكال الرد، فعلى عاتق من تقع مهمة هذا الرد؟ وما هي الأشكال المثلى التي فيما لو تحققت لكان الرد موجعاً للعدو وصاقلاً لقدرة السوريين على المواجهة في آن؟؟
«إسرائيل» تدرك من تقصف
إن الحقيقة التي رسختها صلابة قوى المقاومة (الممتدة على طول الحقبة الزمنية، منذ تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، إلى حرب غزة في أواخر العام المنصرم)، والقائلة بأن إمكانية استمرار هذا الكيان تأخذ بالتضاؤل، ما يجعله مستميتاً من أجل تحقيق هدفه الذي يؤمن له قدرةً أكبر على الاستمرار واستعادة قوة ردعه، والمتجسِّد في إعادة خلط الأوراق في المنطقة بما يحقق، في أحد جوانبه، إفقاد سورية لدورها الإقليمي في المنطقة، وبما أن حالة الصراع العسكري الداخلي في سورية كانت لتؤمن هذا الهدف بأقل تكلفة ممكنة على العدو، ساندت «دولة» الكيان الغاصب أوهام الحسم العسكري التي لطالما تعنَّت طرفا الأزمة في الترويج لها، والدفاع عنها، ما ساهم، سواءً أرادا الاعتراف بذلك أم لا، في تحقيق الهدف الصهيوني إزاء المنطقة..
فشلت الحلول العسكرية عبر التجرب، ونضجت موضوعياً ضرورة التوجه نحو الحل السياسي، هذا ما انعكس على ضرورة فرضت ذاتها على جميع القوى السياسية السورية، وهي البدء بخطوات من شأنها أن تكيفهم للجلوس على طاولة الحوار عماد الحل السياسي، مما يُنضج الظرف الذاتي لدى هذه القوى.. وإذا كانت جميع الاحتمالات المفتوحة على حالة الحرب العسكرية لا يمكن بحالٍ من الأحوال، أن يتمخض عنها إعادة الدور الاقليمي لسورية، وعلى هذا الأساس كان العدو الصهيوني صاحب المصلحة الحقيقية من اعتمادها، فإن احتمالات وسيناريوهات ما يمكن أن يتمخض عن طاولة الحوار والحل السياسي، تحمل فيما تحمله الرغبة الشعبية الحقيقية في تحقيق دور إقليمي أكثر التزاماً بنهج المقاومة وأكثر استقراراً داخلياً، مما يجعل الجبهة السورية منيعة في وجه العدو الصهيوني. على هذا الأساس، فإنه لا مصلحة مطلقاً للعدو في الحوار السياسي، إلا إذا استطاع أن يحقق عبره ما لم يستطع أن يحققه عبر العنف في سورية، أي بمعنى آخر، لن «يُطرب» العدو للحوار، إلا إذا كان عماده الفاسدون في الطرفين..
كان للاعتداء الأخير على سورية، هدف عسكري استراتيجي مهم، وهذا ما لا يمكن نكرانه، إذ أن الهدف العسكري تجلى في ضرب أحد أهم مراكز البحث العلمي في سورية، إلا أنه لا مناص من أن الضربة الأخيرة لم تقتصر على الهدف العسكري فحسب، بل كانت تحمل في طياتها حتماً هدفاً سياسياً ما. وإذا ما أردنا الانطلاق من الحقيقة القائلة بأن للعدو المصلحة الأولى في العنف الحاصل داخلياً، يبدو أن دخوله على خط الأزمة، هو تعبير عن عجز وسائله القديمة غير المباشرة، مما يدلل على أن للضربة أهدافها المتمثلة في إعادة خلط الأوراق في الداخل السوري، وقطع الطريق على الحل السياسي الحقيقي، والمزيد من محاولات ضرب صورة الجيش السوري كجيش وطني جامع، أي أن العدو يحاول درء الخطر الناتج عن عزوف الكثيرين عن الحلول العسكرية، عبر ضرب العوامل المساعدة على نهوض الحل السياسي السوري البديل..
المسؤول عن الرد بأشكاله
لا يمكن أن يمر الاعتداء الصهيوني الأخير دون أن يتم الرد عليه. هذا ما لا جدال فيه بين الوطنيين، أما عن أدوات وأشكال الرد فيجب أن تُبحث انطلاقاً من إدراك حقيقي لماهية المستهدف من هذا العدوان. في الواقع، وعلى عكس ما يحاول كثيرون نشره في الوعي الجمعي للشعب السوري، فإن المستهدف منه ليس هو النظام السوري، إنما الشعب السوري هو المستهدف، بدولته وكافة أطيافه التي تملك، وحده، الموقف المبدئي إزاء القضية الوطنية، ويأتي الاستهداف اليوم عن طريق عرقلة الطريق أمام حلِّه السياسي الكفيل بإخراجه من دائرة الصراع، الذي ساهمت أدوات العدو من فاسدين في النظام والمعارضة على ترسيخه (أي الصراع) ورفع جاهزيته وقدرته على إضعاف سورية من الداخل..
من هنا، فإن كان المستهدَف هو الشعب السوري، بكافة قواه الوطنية، فإنه وقواه هذه مسؤولين عن الرد أيضاً، وللرد أشكاله، تتعدد بتعدد الأهداف المُراد تحقيقها من خلال العدوان الأخير. فكما للعدوان هدفاه، العسكري والسياسي، كذلك يجب أن يكون الرد، مشتملاً على العسكري والسياسي في آن معاً..
أ ـ الرد العسكري:
لا يمكن، بحالٍ من الأحوال، إسقاط مهمة الرد العسكري على الاعتداء عن كاهل الجيش السوري، بوصفه المؤسسة العسكرية المنوط بها مهمة الدفاع عن الدولة من العدوان الخارجي، وحماية حدودها البرية والبحرية ومجالها الجوي. وهو قادر على ذلك وكفؤ له. ولكن ينطلق البعض من هذه الحقيقة ليسقط عن نفسه المهمة الوطنية المتمثلة بالرد. هذا ما يُفسِّر سلسلة التعليقات التي تناولت بسذاجة موضوع العدوان والرد عليه..
في الواقع، لا يمكن لأحد أن ينكر على الشعب السوري حقه المشروع في الرد الشعبي على هذا الاعتداء. وهنا يجدر القول بأن ظاهرة المقاومة الشعبية المسلَّحة ضد المحتل ليست بالشيء الغريب، فتاريخ الشعب السوري مليء بمثل هذه التجارب. هذا ما يُفسِّر المعنى الكامن خلف مقولة «إذا كان للأنظمة ضروراتها.. فإن للشعوب خياراتها»..
ب ـ الرد السياسي:
يدرك العدو أن المصلحة التي جناها على امتداد شهور الصراع السوري، ستواجه خطر الزوال فيما لو اتَّجه السوريون إلى الحلول السياسية، بمعنى آخر، أن القوى السورية التي تريد للحل السياسي أن يُثمر ليتمخض عنه قدرة أكبر للدولة السورية على مواجهة الأخطار الخارجية، تشكِّل عامل ضغط، وحجر عثرة أمام مشاريع العدو..
من هنا، لم يعد الاتجاه إلى طاولة الحوار ضرورة داخلية فحسب، بل بات الحوار والحل السياسي هو ضرورة وطنية في مواجهة كيان العدو، والضربة الكبرى التي يمكن أن تقطع الطريق على الغرب وحلفائه في المنطقة هي في تضافر جهود القوى الوطنية السورية في سبيل تقليص مواقع الفساد في النظام والمعارضة على طاولة الحوار، مما يمنع الأجندة الصهيونية والغربية، والتي تُعدّ قوى الفساد هذه رافعتها الأساسية من أن تتحقق.