العنف كأداة للتقسيم!
لا ينطوي الموقف من دوامة العنف الدائرة في البلاد على معنى أخلاقي فحسب، فعلى قداسة الدماء السورية النازفة
وبغض النظر عما ينتجهُ من مآسٍ وآلام بالمعنى الاجتماعي، فأن الأخطر في هذا الجانب، هو أن العنف بات الأداة الأساسية في تعزيز الانقسام المجتمعي، سواء أكان من يدير عمليات العنف عارفاً بنتيجة عمله أو غير عارف. إن قراءة المشهد الراهن وتوزع القوى العسكرية ومستوى التسلح في بعض مناطق البلاد، وحالة انعدام التواصل بين مناطق البلاد المختلفة بالمجمل وتقطع طرق النقل والإمداد وانقطاع الاتصالات الهاتفية والغياب شبه التام لأجهزة الدولة ومؤسساتها، كلها بمثابة مؤشرات ووقائع يمكن استغلالها لتقسيم البلاد لاحقاً، ولاسيما أن تلك المناطق الخارجة عن سلطة الدولة وخصوصاً المناطق الحدوية باتت تتجه في تأمين حاجاتها استهلاكها اليومي الأساسية من دول الجوار.
ولدى دراسة أسباب هذا الوضع الناشىء والمريب يأتي العنف ومستواه في مقدمة الأسباب التي قادت إلى مثل هذا الوضع، فالعنف هو الذي يمنع انطلاق الحوار والحل السياسي، وهو الذي يزيد من حالة عدم الثقة بين السوريين، وهو الذي يكوّن وعياً مشوهاً لدى بعض القطاعات الشعبية من هنا وهناك مفاده استحالة العيش المشترك مع من يقتل ويدمر و.. و... الخ.
وإذا تم ربط هذا الواقع المتكون، مع وجود مشروع تفتيتي معلن تعمل عليه المراكز الرأسمالية العالمية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً سلوك قوى الفساد والتشدد ضمن النظام، المستعدة للقيام بأي عمل من شأنه خلط الأوراق وإنقاذها من المحاسبة على ما جنت يداها، وكذلك بالنسبة لسلوك بعض المجموعات المسلحة التي تعمل في مجال «بيزنس الثورة» والمرتهنة تماماً لقوى التمويل والتدريب عالمياً وإقليمياً، فأننا سنكون أمام واقع أقل ما يقال عنه أنه تأسيس لعملية التقسيم.
وعليه فإن الخطوة الأولى التي ينبغي العمل عليها قبل فوات الأوان من القوى الوطنية في البلاد هو السير حثيثاً باتجاه ايقاف العنف المتبادل بين السوريين بكل أشكاله، باعتباره الخطوة التي لابد منها لحل كل مقدمات التقسيم.