مزاج الجماهير.. والنخب العاجزة
«في الوقت الذي كان فيه الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي يطبل ويزمر للثورة الفلسطينية كنت أنا اليتيم الذي ينتقد هذه الثورة، وليس تطاولاً ولا وقاحة بل خوفاً وقلقاً، وإحساساً مني بالواجب، وتعرضت للكثير نتيجة هذا الموقف».. • ناجي العلي
يتقلب مزاج الجماهير من يوم إلى آخر، حتى ليكاد يقفز برشاقة من النقيض إلى نقيضه، ويعود ذلك التقلب في أغلب الأحيان إلى قلة الخبرة السياسية لجماهير حرمت من العمل السياسي لعقود متوالية، ويعود أيضاً إلى حدة الضغط المستمر على وعيها السياسي قيد التشكل عن طريق الإعلام الخارجي والداخلي على حد سواء.. وتحتاج في غمار نضالها المستمر إلى تضحيات متتالية لتخرج من إطار المزاج اليومي إلى ساحة المصلحة الحقيقية، ولكن لهذا المخاض آلامه التي تتضاعف وتزداد كلما حادت النخب السياسية والثقافية عن مصلحة الناس باتجاه التساوق مع مزاجها في إطار انتهازية خرقاء في كثير من الأحيان ومقصودة في أحيان أخرى..
تبرز في هذا السياق المواقف المؤيدة للشعارات التي تطلقها تظاهرات بعينها وهي الجزء الأكبر من التظاهرات، تلك الشعارات الداعية للتدخل الخارجي وللتسلح وتبرر النخب موقفها هذا تحت الحجة التقليدية الممجوجة والقائلة: الجمهور «عايز كده».. كما أن لهذه الانتهازية السياسية تجلياً آخر هو محاولة إرضاء الجميع من خلال المواربة والتقلب والعمل على تحديد مسافات تقترب وتبتعد من الأطراف المختلفة وفقاً للتوازنات المتقلبة مع التغيرات السريعة والانعطافات المتتالية للأحداث.. أولئك الذين يتلقون في النهاية الصفعات من الجميع وتلفظهم في المحصلة النهائية جميع الأطراف.
هناك من النخب وتحديداً الثقافية من يتمسك بالحركة الشعبية باعتبارها المنقذ الوحيد والأخير لها من حالة العجز عن الفعل التي تعيشها، ولذلك لجأت إلى السير في ذيلها من خلال تقديس أي شيء يصدر عنها من مواقف وشعارات وغيرها.. ويظهر هذا الموقف المعادي في جوهره للحركة الشعبية وإن كان شكله مؤيداً لها مدى انعدام المسؤولية الوطنية والتاريخية لهذه النخب ومدى هشاشتها وعدم قدرتها على إحداث أي تأثير واع في الجماهير وهي التي اعتادت أن تصفهم في محافلها المغلقة بالبرابرة وبالحثالة وبالمتخلفين..
لكن التاريخ لا يبخل بأمثال الشهيد ناجي العلي، الذي دفع حياته ثمناً لخوفه وقلقه وإحساسه بالواجب تجاه الثورة الفلسطينية، ذلك الموقف الذي أثبت التاريخ لاحقاً مدى عمقه ووطنيته وبقي حامله حياً في ضمائر وقلوب الناس جيلاً بعد جيل، بينما لم يعد أحد يتذكر أولئك الذين هاجموه وشككوا في مواقفه..
كم نحن بحاجة إلى أمثال ناجي العلي.. الذين لا بد سنجدهم!