الاستعداد للحرب.. قد يمنعها!!
حازم بو سعد حازم بو سعد

الاستعداد للحرب.. قد يمنعها!!

«لم تبدأ الحرب بعد لكنها ستبدأ قريباً..هل سأراك في الجبهة.. أم سأرى الجبهة بك»

نعم ربما هي الحرب ولاشيء سواها.. البعض يظنها خلاصاً، والبعض يحسبها جحيماً. لكن لمن يهمه الأمر.. الحرب لا تأخذ الاعتبارات الشخصية بعين الاعتبار..

بعد القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية بتعليق عضوية سورية، وتطبيق جملة من العقوبات الاقتصادية والسياسية وبدء سحب السفراء.. بدأ اليقين يتملك قسماً كبيراً من مختلف الفئات الاجتماعية بشأن وقوع الحرب.. ولم لا.. فالحرب اليوم كما في الماضي تعد ممراً رائعاً للإمبريالية العالمية كي تخرج من أزمتها الاقتصادية، ولكن لماذا يجب أن تشن الحرب علينا؟ لماذا نحن دون سوانا..؟ ما الذي يميزنا أو بالأحرى ما هي لعنتنا..؟

سورية تمتلك موقعاً جغرافياً استراتجياً من حيث الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية.. نحن لا نملك نفطاً، هذا صحيح، ولكننا نملك ما هو أخطر من ذلك، نحن نملك أنفسنا.. ما أقصده أن قرارنا السياسي -قرار الشعب السوري- ليس تابعاً لأحد، ولسنا خاضعين لمرجعيات مسيطرة كغيرنا من الدول.إن من الغباء الادعاء بأن الشعب السوري ليس عائقاً أمام مشاريع الغرب وحلفائه وأولها «الشرق الأوسط الجديد»، لذا فمن البديهي أنهم يريدون إزالة هذا العائق كي ترجح كفة الميزان لمصلحتهم، الشعب السوري كان وحده دعماً لحركات المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، وأمن لشعوب تلك الدول ملاذاً آمناً عند تعرضها لديموقراطية قاذفات B-52  الأمريكية، ولكن الأهم من دعم المقاومات هو الجينة التاريخية المقاومة التي يحملها شعبنا.. فسورية كانت أول بلد نال استقلاله من الدول التي خضعت للاستعمار، وهنا لا أعني الاستعمار الفرنسي فحسب.. بل أعني كل الاستعمارات السابقة..بدءاً من الإسكندر الأكبر..

الصراع العربي- الاسرائيلي يعني للبعض صراع دول، أما بالنسبة لنا -نحن السوريين- فإنه أحد صبغياتنا الوراثية ..كما أن انتماءنا لسورية يفرض علينا وبشكل إرادي معاداة الولايات المتحدة.. فلا يمكن للمرء أن يكون سورياً و محباً للكوكا كولا في  الوقت نفسه، إنها قضية هوية وليست مسألة ذوقية. الكوكا كولا لا تناسب هواء بلادنا.. رغم أن الفريق الاقتصادي السابق أصر على إدخالها لكل بيت بدعوة الانفتاح على العالم، وبهدف إغلاق الأفق أمام تطوير أنفسنا.. أغرقونا بالملابس التركية ذات الجودة العالية كي يصرفوا انتباهنا عن غابات القطن السوري التي تموت ظمأً، استوردوا لنا البرادات الرقمية والغسالات الخارقة والطناجر ذات المعدن المعالج بالليزر كي نطهو بها طعاماً لا نملكه، طعاماً سلبونا القدرة على شرائه.. لقد أغرتنا الحكومات السابقة بالنمط الاستهلاكي كي تهيئنا لنكون سلعاً يستهلكها الجنود الأمريكيون عند غزونا..

تجار الأوطان هؤلاء لم يكتفوا بقتل الاقتصاد السوري وتحويله لاقتصاد خدمي غير منتج.. لقد وصلت دناءتهم إلى حد أنهم عندما أحسوا ببوادر التغيير اندفعوا لحماية انجازاتهم بحق الوطن، وكانت الوسيلة أن يطلقوا النار على المتظاهرين الذين كانوا سلميين.. فحولوا قسماً منهم إلى محاربين عميان..

الرأسمالية في خطر.. وخراب بلادنا هو خلاصها. وبشكل ممنهج، أصبحت بلادنا بيئة مناسبة وحاضنة لكل التناقضات الثانوية من طائفية ونزعات قومية وإثنية، لها امتداداتها في دول الجوار.. طبعاً تساعد الغرب والفاسدون في النظام في تهيئة سورية لانفجارها القريب، وضخوا بدافع الذعر من الفناء الحتمي لآلية إنتاجهم الوحشية أموالاً و إيديولوجيةً وسلاحاً يسمح بهكذا تفجير..تفجير الخلاص..

سادة العالم البيض بشركاتهم الحالكة.. نشروا دروعهم الصاروخية في نصف أوربا بغية تهديد عملاق شرقي مهجن نائم، سيعي إن لم يع مسبقاً استحالة التعايش مع ملائكة الحرية المزعومين.. وأصبحوا يبحثون في شوارع خراسان عن أسلحة لم يجدوها في مجرى دجلة.. هم يتهمون إيران بأنها «تهديد نووي» لأمن عالمي يرعب شعوب العالم كلها.. يريدون اجتثاث الخطر الأصفر في جنوب لبنان كي يبقى مناخ الجليل الأعلى مناسباً للسياحة الجنسية.. لقد حاولوا أن يقنعوا الأرض بالبغاء في جنوب لبنان قبل سنوات خمس، ولكن على ما يبدو فإن بنادق المقاومة قد أصابها الصمم فلم تستوعب وجهة نظرهم.. واليوم وصلوا إلى سورية، ولكي يخضعوا هذا البلد الذي حافظ على بضعة أصدقاء أوفياء لأنفسهم، اتجهوا إلى مجلس الأمن. ولكن صداقة المصلحة كانت لهم بالمرصاد فكان الفيتو التوأم إيذاناً بانتهاء عصر تفرد أدميرال البرق الأميركي..

اليوم، هم في أمس الحاجة لحرب، وبلادنا واضحة.. ومجلس الأمن ليس مهماً.. فهل نحن بمأمن؟؟!!!

اليوم لا مجال للتراجع، سورية أصبحت في خط النار أكثر من أي وقت مضى، والحل الوحيد لحمايتها من الاشتعال بنيرانهم أو لرد نيرانهم عندما تقبل.. هو بإيقاظ الوعي الوطني الجمعي الذي خُدر طويلاً. .والطريقة لذلك..هي كالتالي..

القضاء على الفساد الكبير واجتثاثه تماماً من جهاز الدولة وخارجه، إطلاق سجناء الأحداث، ومحاسبة من زجهم وزج الوطن في الظلام.. التراجع عن الحل الأمني وإطلاق الحوار الشامل الجدي بأطرافه الثلاثة(النظام والمعارضة الوطنية والحركة الشعبية).. إطلاق حرية الإعلام والحرّيات السياسية طالما أنها لا ترتدي ثوب الدين أو القومية أو العرق، القطع التام مع السياسات الاقتصادية الليبرالية وإعادة الاعتبار للقطاع العام...

بذلك فقط سنقضي على أي احتمال لسقوط سورية، وبغير هذا لن يكون لسورية سوى خيار واحد..هو الحرب الشاملة التي سترجعنا إلى عصور تكون العصور الحجرية بالنسبة لها خطوة تقدمية. لقد رفع فاسدو النظام وفاسدو المعارضة كمون الاقتتال الأهلي بتجييشهم الإعلامي من الداخل والخارج وبميليشيات وعصابات فسادهم.. إنها الحرب ولاشيء سواها. وإن لم يحس السوريون بحب سورية لهم كما أحبوها.. فلن تكون هذه الحرب سوى ورقة نعي لبلد.. ربما إن بدأنا الآن وسريعاً ربما نمنع احتمال الحرب، ربما..

لا مجال للتلكؤ فسورية هي من نتحدث عنها..