كيف يواجه السوريون قوى التكفير؟!
تواتر في بعض وسائل الإعلام مؤخراً الحديث عن استهداف الجماعات المسلحة لهذه الطائفة أو تلك تحديداً، بالتوازي مع إطلاق سيل من الإشاعات المبرمجة وترويج أخبار تحاكي الغرائز وتنفخ في جمر العصبية، ليتبع ذلك مباشرة الدعوة إلى تسليح أبناء الأقليات بداعي حماية الذات، ليكون ذلك حسب بعض المتابعين للشأن السوري بداية انحدار الأزمة السورية نحو المزيد من التعقيد؟!
لا يستطيع أحد إنكار أن بعض هذه الجماعات المسلحة تحمل فكراً تكفيرياً وتعمل بموجبه، وخصوصاً تلك القوى القادمة من الخارج التي تنطبق عليها صفة الغزاة بامتياز، وبالتالي لا خيار معها إلا خيار المواجهة حتى طردها والقضاء عليها، الأمر الذي يجب ألا يختلف عليه اثنان من السوريين... ولكن السؤال، كيف؟
الفعل ورد الفعل
يسارع البعض إلى العمل بموجب قانون الفعل ورد الفعل، فطالما أنها جماعات مسلحة وتكفيرية، وطالما أنها طائفية فإن الطريقة الأنسب لمواجهتها هو تسليح المستهدفين...كذا؟!
لاندري إذا كان هذا البعض يجهل أو يتجاهل هدف هذه الجماعات، وماهيتها، والقوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها، ولا فرق هنا بين الجهل والتجاهل طالما أن النتيجة واحدة، ولكن سنفترض هنا حسن النوايا ولاسيما أن أحد الداعين إلى هكذا نوع من رد الفعل يقدم نفسه على أنه حامي حمى العلمانية في سورية؟؟!
ولمن يهرف بما لايعرف ..كان وما زال هدف هذا الطاعون الأصفر إثارة الفوضى وخلط الأوراق، وإدامة التوتر في جميع البلدان التي مر بها، لخلق البيئة المناسبة لتمرير المشاريع الدولية بإعادة رسم خارطة المنطقة كهدف استراتيجي، أوكسر التوازنات القائمة كهدف تكتيكي بغية إنهاك كل أطراف الصراع، وعليه فإن رد الفعل بالمنطق الفيزيائي على هذه الجماعات، وبالشكل الذي روّج له البعض في إحدى القنوات الإعلامية السورية هو عملياً انخراط في المشروع ذاته من حيث يدري من يتبناه أو لايدري، فالدعوة إلى التسليح يساهم أكثر فأكثر في انتشار فوضى السلاح مما يعني إثارة الفوضى الشاملة الذي تعمل عليه قوى الفاشية في الإدراة الامريكية عن طريق أدواتها في ساحة الصراع، سواء كانوا ممن يحملون السلاح بشكل مباشر( الداعشيين)، أو الترويج لانتشاره من قبل (العلمانيين) أو تبريرحمله من قبل (الليبراليين) وغيرها من توصيفات ويافطات يختبئ خلفها أصدقاء بول ولفوفيتز، كل حسب موقعه ودوره والمتراس الذي يتمترس خلفه.
رد الفعل الحقيقي والمطلوب!
تبقى قضية مواجهة عصابات التكفير الطائفية، واجب وطني لايعلو عليه واجب، وواجب انساني يفرضه الانتماء إلى الذات الإنسانية، ولكن بالتأكيد ليس بالطائفية المضادة، بل بمعالجة جذر الظاهرة ومعرفة الظروف التي أنتجتها ولاسيما أنها ظاهرة دخيلة وغير متأصلة في الوعي الشعبي السوري ومن السهولة بمكان مواجهتها حتى الآن.
إن الرد الحقيقي على ظاهرة التكفير، في هذه المرحلة من تطور الأزمة السورية يكمن بالانطلاق من أولوية الحل السياسي بين السوريين، كل السوريين، وتمثّله عملياً، الأمر الذي يحجم بشكل مباشر دور وفاعلية الغزاة الأجانب، فاستمرار العنف بين السوريين كانت وما زالت البيئة الأنسب لاستفحال ظاهرة التطرف والغرائزية، التي استندت إليها الجماعات التكفيرية في محاولاتها لتوطين الطائفية في التربة السورية، كما ان انطلاق الحل السياسي بين السوريين سيؤدي إلى حل ولو جزئي في البداية لقضايا المهجرين، والمخطوفين كورقة تلعب بها القوى التكفيرية كلما استدعى الموقف ذلك، والأمر كذلك بالنسبة لقضية المعتقلين السياسيين، إن جملة إجراءات سريعة وجريئة من هذا النوع ستحدد السمت الحقيقي للمعركة، وستفتح الآفاق مباشرة أمام التفاف السوريين حول الجيش السوري ضد الجماعات التكفيرية المسلحة، ولاسيما أن الأخبار الواردة من بعض مناطق البلاد التي تسيطر عليها داعش وشبيهاتها، تؤكد على قيام مظاهرات شعبية ضد ممارسات هذه الجماعات وضد وجودها رغم كل البطش الذي تمارسه.
أما الدعوة إلى التسلح فهي تحديداً ديدن الجماعات المسلحة، خصوصاً إذا كان يتم تبريره بداعي حماية هذه (الأقلية) أو تلك، فهذه هي تماماً الحلبة التي تجيد الجماعات المسلحة اللعب فيها، وهو الذي يمدها بأسباب الحياة.